الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما المفاوضة : فجميع ما ذكرنا أنه يجوز لأحد شريكي العنان أن يفعله ، وهو جائز على شريكه إذا فعله ، فيجوز لأحد شريكي المفاوضة أن يفعله ، وإذا فعله فهو جائز على شريكه ; لأن المفاوضة أعم من العنان ، فلما جاز لشريك العنان فجوازه للمفاوض أولى ، وكذا كل ما كان شرطا لصحة شركة العنان فهو شرط لصحة شركة المفاوضة ; لأنها لما كانت أعم من العنان ، فهو يقتضي شروط العنان ، وزيادة وكذا ما فسدت به شركة العنان ، تفسد به شركة المفاوضة ; لأن المفاوضة يفسدها ما لا يفسد العنان ، لاختصاصها بشرائط لم تشترط في العنان ، وقد بينا ذلك فيما تقدم ، والآن نبين الأحكام المختصة بالمفاوضة التي تجوز للمفاوض ، ولا تجوز للشريك شركة العنان فنقول وبالله التوفيق : يجوز إقرار أحد شريكي المفاوضة بالدين عليه وعلى شريكه ، ويطالب المقر له أيهما شاء ; لأن كل واحد منهما كفيل عن الآخر ; فيلزم المقر بإقراره ، ويلزم شريكه بكفالته ، وكذلك ما وجب على كل واحد منهما من دين التجارة كثمن المشترى في البيع الصحيح وقيمته في البيع الفاسد وأجرة المستأجر أو ما هو في معنى التجارة كالمغصوب والخلاف في الودائع والعواري والإجارات والاستهلاكات ، وصاحب الدين بالخيار ، إن شاء أخذ هذا بدينه ، وإن شاء أخذ شريكه بحق الكفالة ، أما دين التجارة [ ص: 73 ] فلأنه دين لزمه بسبب الشركة ; لأن البيع الصحيح اشتمل عليه عقد الشركة ; لأنه تجارة ، وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه ، فيما يلزمه بسبب الشركة ، ولهذا قالوا : إن البينة تسمع في ذلك على الشريك الذي لم يعقد ; لأن الدين لزمه كما لزم شريكه ; لأنه كفيل عن شريكه ، والبينة بالدين تسمع على الكفيل كما تسمع على المكفول عنه ، وكذا البيع الفاسد بدليل أن الأمر بالبيع يتناول الصحيح والفاسد ، وكذا الأجرة لأن الإجارة تجارة .

                                                                                                                                ( وأما ) الغصب فلأن ضمانه في معنى ضمان التجارة ; لأن تقرر الضمان فيه يفيد ملك المضمون ، فكان في معنى ضمان البيع ، والخلاف في الودائع والعواري والإجارات في معنى الغصب ; لأنه من باب التعدي على مال الغير بغير إذن مالكه فكان في معنى الغصب ، فكان ضمانه ضمان الغصب .

                                                                                                                                ( وأما ) أروش الجنايات والمهر والنفقة وبدل الخلع والصلح عن القصاص ، فلا يؤاخذ به شريكه ; لأنه ليس بضمان التجارة ولا في معنى ضمان التجارة أيضا ; لانعدام معنى معاوضة المال بالمال رأسا .

                                                                                                                                وروي عن أبي يوسف أن ضمان الغصب والاستهلاك لا يلزم إلا فاعله ; لأنه ضمان جناية فأشبه ضمان الجناية على بني آدم ، والجواب ما ذكرنا أن ضمان الغصب وضمان الإتلاف في غير بني آدم ضمان معاوضة ; لأنه ضمان يملك به المضمون عوضا عنه بخلاف ضمان الجناية على بني آدم ; لأنه لا يملك به المضمون فلم يوجد فيه معنى المعاوضة أصلا .

                                                                                                                                ولو كفل أحدهما عن إنسان ، فإن كفل عنه بمال ، يلزم شريكه عند أبي حنيفة ، وعندهما لا يلزم ، وإن كفل بنفس لا يؤخذ بذلك شريكه في قولهم جميعا .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن الكفالة تبرع ، فلا تلزم صاحبه كالهبة والصدقة والكفالة بالنفس ، والدليل على أنها تبرع اختصاص جوازها بأهل التبرع ، حتى لا تجوز من الصبي والمكاتب والعبد المأذون ، وكذا تعتبر من الثلث إذا كان في حال المرض والشركة لا تنعقد على التبرع ، ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن الكفالة تقع تبرعا بابتدائها ، ثم تصير معاوضة بانتهائها لوجود التمليك والتملك ، حتى يرجع الكفيل على المكفول عنه بما كفل ، إذا كانت الكفالة بأمر المكفول عنه فقلنا : لا تصح من الصبي والمأذون والمكاتب ويعتبر من الثلث عملا بالابتداء ، ويلزم شريكه عملا بالانتهاء ، وحقوق عقد تولاه أحدهما ترجع إليهما جميعا ، حتى لو باع أحدهما شيئا من مال الشركة ، يطالب غير البائع منهما بتسليم المبيع ، كما يطالب البائع ، ويطالب غير البائع منهما المشتري بتسليم الثمن ، ويجب عليه تسليمه كالبائع .

                                                                                                                                ولو اشترى أحدهما شيئا يطالب الآخر بالثمن ، كما يطالب المشتري ، وله أن يقبض المبيع كما للمشتري .

                                                                                                                                ولو وجد المشتري منهما عيبا بالمبيع ، فلصاحبه أن يرده بالعيب كما للمشتري ، وله الرجوع بالثمن عند الاستحقاق كالمشتري .

                                                                                                                                ولو باع أحدهما سلعة من شركتهما فوجد المشتري بها عيبا ، فله أن يردها على أيهما شاء .

                                                                                                                                ولو أنكر العيب ، فله أن يحلف البائع على البتات ، وشريكه على العلم .

                                                                                                                                ولو أقر أحدهما نفذ إقراره على نفسه وشريكه .

                                                                                                                                ولو باعا سلعة من شركتهما ، ثم وجد المشتري بها عيبا ، فله أن يحلف كل واحد منهما على النصف الذي باعه على البتات ، وعلى النصف الذي باعه شريكه على العلم بيمين واحدة على العلم في قول محمد رحمه الله ، وقال أبو يوسف : يحلف كل واحد منهما على البتات فيما باع ، ويسقط عن كل واحد منهما اليمين على العلم ، وهما جميعا في خراج التجارة وضمانها سواء ، ففعل أحدهما فيها كفعلهما ، وقول أحدهما كقولهما ، وهما في الحقيقة شخصان وفي أحكام التجارة كشخص واحد ولأحدهما أن يكاتب عبد التجارة ، أو يأذن له بالتجارة لأن تصرف كل واحد منهما فيما يعود نفعه إلى مال الشركة عام ، كتصرف الأب في مال ابنه الصغير كذا روي عن محمد أنه قال : كل ما يجوز أن يفعله الإنسان فيما لا يملكه فالمفاوض فيه أجوز أمرا ، ومعناه أن الأب يملك كتابة عبد ابنه الصغير وإذنه بالتجارة مع أنه لا ملك له فيه رأسا ، فلأن يملك المفاوض أولى .

                                                                                                                                ولا يجوز له أن يعتق شيئا من عبيد التجارة على مال ; لأنه في معنى التبرع ; لأنه يعتق بمجرد القول ، ويبقى البدل في ذمة المفلس قد يسلم له وقد لا يسلم ، فكان في معنى التبرع ، ولهذا لا يملكه الأب في مال ابنه ، ولا يجوز له تزويج العبد ; لأنه ضرر محض ; لأن المهر والنفقة يتعلقان برقبته ، وتنقص به قيمته ، ويكون ولده لغيره ، فكان التزويج ضررا محضا ، فلا يملكه في ملك غيره ، ويجوز له أن يزوج الأمة ; لأن تزويج الأمة نفع محض ; لأنه يستحق المهر والولد ويسقط عنه نفقتها ، وتصرف المفاوض نافذ في كل ما يعود نفعه إلى مال الشركة ، سواء [ ص: 74 ] كان من باب التجارة أو لا ، بخلاف الشريك شركة العنان فإن نفاذ تصرفه يختص بالتجارة على أصل أبي حنيفة ومحمد ، وتزويج الأمة ليس من التجارة ; لأن التجارة معاوضة المال بالمال ، ولم يوجد ، فلا ينفذ ، وعند أبي يوسف ينفذ كتصرف المفاوض لوجود النفع ، ويجوز له أن يدفع المال مضاربة ، لما ذكرنا في الشريك شركة عنان ، أنه يجوز له أن يستأجر من يعمل في مال الشركة بمال يستحقه الأجير بيقين ، فالدفع مضاربة أولى ; لأن المضارب لا يستحق الربح منها بيقين لجواز أن يحصل ، وأن لا يحصل ، ويجوز له أن يشارك شركة عنان في قول أبي يوسف ومحمد ; لأن شركة العنان أخص من شركة المفاوضة ، فكانت دونها ، فجاز أن تتضمنها المفاوضة كما تتضمن العنان المضاربة ، لأنها دونها فتتبعها ; ولأن الأب يملك ذلك في مال ابنه ، فيملك المفاوض على شريكه من طريق الأولى ، وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا يجوز له ذلك ; لأنه يوجب للشريك الثالث حقا في مال شريكه ، وذلك لا يجوز إلا بإذنه ، هذا إذا شارك رجلا شركة عنان ، فأما إذا فاوض جاز عليه وعلى شريكه ، ذكره محمد في الأصل ، وقال أبو يوسف : لا يجوز وكذا في رواية الحسن عن أبي حنيفة .

                                                                                                                                ( وجه ) قول محمد أن عقد المفاوضة عام فيصير تصرف كل واحد منهما كتصرف الآخر ، ولأبي يوسف أن شركة العنان مثل المفاوضة والشيء لا يستتبع مثله ، ويجوز له أن يرهن ويرتهن على شريكه ; لأن الرهن هو إيفاء ، والارتهان استيفاء ، وكل واحد منهما يملك الإيفاء والاستيفاء فيما عقده صاحبه ، ويجوز لكل واحد منهما أن يقضي ما أداناه ، أو ادانه صاحبه ، أو ما يوجب لهما من غصب على رجل أو كفالة ; لأن كل واحد منهما كفيل الآخر ، فيملك أن يستوفي حقوقه بالوكالة ، وما وجب على أحدهما فلصاحب الدين أن يأخذ كل واحد منهما ; لأن كل واحد منهما كفيل عن الآخر ، وكل واحد منهما خصم عن صاحبه يطالب بما على صاحبه ، ويقام عليه البينة ، ويستحلف على علمه فيما هو من ضمان التجارة ; لأن الكفيل خصم فيما يدعي على المكفول عنه ويستحلف على علمه ; لأنه يمين على فعل الغير ، وما اشتراه أحدهما من طعام لأهله أو كسوة أو ما لا بد له منه ، فذلك جائز ، وهو له خاصة دون صاحبه ، والقياس أن يكون المشترى مشتركا بينهما ; لأن هذا مما يصح الاشتراك فيه كسائر الأعيان ، لكنهم استحسنوا أن يكون له خاصة للضرورة ; لأن ذلك مما لا بد منه ، فكان مستثنى من المفاوضة فاختص به المشتري ، لكن للبائع أن يطالب بالثمن أيهما شاء ، وإن وقع المشترى للذي اشتراه خاصة ; لأن هذا مما يجوز فيه الاشتراك ، وكل واحد منهما كفيل عن الآخر ببدل ما يجوز فيه الاشتراك ، إلا أنهم قالوا : إن الشريك يرجع على شريكه بنصف ثمن ذلك ; لأنه قضى دينا عليه من ماله لا على وجه التبرع ; لأنه التزم ذلك فيرجع عليه ، وليس له أن يشتري جارية للوطء أو للخدمة بغير إذن الشريك ; لأن الجارية مما يصح فيه الاشتراك ، ولا ضرورة تدعو إلى الانفراد بملكها ، فصارت كسائر الأعيان بخلاف الطعام والكسوة ، فإن ثمة ضرورة فأخرجا عن عموم الشركة للضرورة ، ولا ضرر في الجارية فبقيت داخلة تحت العموم ، فإن اشترى ليس له أن يطأها ولا لشريكه لأنها دخلت في الشركة ; فكانت بينهما ، فهذه جارية مشتركة بين اثنين فلا يكون لأحدهما أن يطأها ، فإن اشترى أحدهما جارية ليطأها بإذن شريكه ، فهي له خاصة ولم يذكر في كتاب الشركة ، أن الشريك يرجع عليه بشيء أو لا يرجع ، وذكر في الجامع الصغير الخلاف فقال عند أبي حنيفة : لا يرجع عليه بشيء من الثمن ، وعندهما يرجع عليه بنصف الثمن .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن الحاجة إلى الوطء متحققة فتلحق بالحاجة إلى الطعام والكسوة ، فإذا اشتراها لنفسه خاصة وقعت له خاصة ، وصارت مستثناة عن عقد الشركة ، فقد نقد ما ليس بمشترك من مال الشركة ، فيرجع عليه شريكه بالنصف ، ولأبي حنيفة أن الأصل في كل ما يحتمل الشركة إذا اشتراه أحد الشريكين ، أن يقع المشترى مشتركا بينهما من غير إذن جديد من الشريك بالشراء إلا فيما فيه ضرورة ، وهو ما لا بد له منه من الطعام والكسوة ، ولا ضرورة في الوطء فوقع المشترى على الشركة بالإذن الثابت بأصل العقد من غير الحاجة إلى إذن آخر ، فلم يكن الإذن الجديد من الشريك لوقوع المشترى على الشركة ; لأنه وقع على الشركة بدونه ، فكان للتمليك كأنه قال : اشتر جارية بيننا ، وقد ملكتك نصيبي منها فكانت الهبة متعلقة بالشراء ، فإذا اشترى وقبض ، صحت الهبة ، كما لو قال : إن قبضت مالي على فلان ، فقد وهبته لك ، فقبضه ، يملكه [ ص: 75 ] كذا هو وإذا كان كذلك فقد نقد ثمن الواقع على الشركة من مال الشركة ، فلا يرجع على شريكه بشيء ، فإن اشترى جارية للوطء بإذن شريكه فاستولدها ثم استحقت ، فعلى الواطئ العقر ، يأخذ المستحق بالعقر أيهما شاء .

                                                                                                                                ( وأما ) وجوب العقر فلا شك فيه ; لأن وطء ملك الغير في دار الإسلام لا يخلو عن أحد الغرامتين ، إما الحد وإما العقر ، وقد تعذر إيجاب الحد لمكان الشبهة ، وهي صورة البيع ، فيجب العقر .

                                                                                                                                وأما ولاية الأخذ من أيهما شاء ; فلأن هذا ضمان وجب بسبب الشراء ، والضمان الواجب بسبب الشراء يلزم كل واحد منهما كالثمن ; لأن الشراء من التجارة ، فكان هذا ضمان التجارة ، بخلاف المهر في النكاح الصحيح والفاسد ; لأنه مال وجب بسبب النكاح والنكاح ليس من التجارة ، فلا يدخل في الشركة .

                                                                                                                                ولو أقال أحدهما في بيع ما باعه الآخر ، جازت الإقالة عليهما ، لما ذكرنا أن الإقالة في معنى الشراء ، وهو يملك الشراء على الشركة فيملك الإقالة ولأن الشريك شركة العنان يملك الإقالة فالمفاوض أولى ، وإذا مات أحد المتفاوضين أو تفرقا ، لم يكن للذي لم يل المداينة أن يقبض الدين ; لأن الشركة بطلت بموت أحدهما ; لأنها وكالة ، والوكالة تبطل بموت الموكل لبطلان أمره بموته وتبطل بموت الوكيل لتعذر تصرفه فتبطل الشركة فلا يجوز لأحدهما أن يقبض نصيب الآخر إذا لم يكن هو الذي تولى العقد ، ويجوز قبضه في نصيب نفسه ; لأنه موكل فيه ، وقبض الوكيل جائز استحسانا .

                                                                                                                                ( وأما ) الذي ولي المداينة ، فله أن يقبض الجميع ; لأنه ملك ذلك بعقد المداينة لكونه من حقوق العقد ، فلا يبطل بانفساخ الشركة بموت الشريك كما لا يبطل بالعزل .

                                                                                                                                ولو آجر أحدهما نفسه في الخياطة أو عمل من الأعمال ، فالأجر بينهما نصفان وإن آجر نفسه للخدمة فالأجر له خاصة ; لأن في الفصل الأول آجر نفسه في عمل يملك أن يتقبل على نفسه وعلى صاحبه ، فإذا عمل فقد أوفى ما عليهما ، فكانت الأجرة بينهما ، وفي الثاني لا يملك التقبل على صاحبه ، بل على نفسه خاصة ، فكانت الأجرة له خاصة ، وقال أبو حنيفة إذا قضى أحدهما دينا كان عليه قبل المفاوضة ، فهو جائز ; لأنه إذا قضى فقد صار المقضي دينا على القاضي أولا ، ثم يصير قصاصا بماله على القاضي ، فكان هذا تمليكا بعوض فتناوله عقد الشركة ، فملكه فجاز القضاء ، وليس لصاحبه سبيل على الذي قبض الدين لما ذكرنا أن قبضه قبض مضمون ; لأنه قبض ما للشريك أن يملكه إياه ، ويرجع شريكه عليه بحصته منه ; لأنه قضى دين نفسه من مال غيره ، ولا تنتقض المفاوضة ، وإن ازداد مال أحد الشريكين ; لأن الواجب دين ، وزيادة مال أحد الشريكين إذا كانت دينا ، لا توجب بطلان المفاوضة ، كما لا تمنع انعقادها ، لما مر أن الدين لا يصلح رأس مال الشركة ، فإذا استرجع ذلك بطلت المفاوضة ; لأنه ازداد له مال صالح للشركة على مال شريكه .

                                                                                                                                ولو رهن أمة من مال المفاوضة بخمسمائة ، وقيمتها ألف ، فماتت في يد المرتهن ، ذهبت بخمسمائة ولا يضمن ما بقي ; لأن الزيادة أمانة في يد المرتهن فكان مودعا في قدر الأمانة من الرهن ، وللمودع والمفاوض أن يودع ، وكذلك وصي أيتام رهن أمة لهم بأربعمائة عليه ، وقيمتها ألف فماتت في يد المرتهن ، ذهبت بأربعمائة ، وذلك يكون دينا للورثة على الوصي ، وهو أمين في الفضل ، وكذلك الأب يرهن أمة ابن له صغير بدين عليه ; لأن الأب والوصي يملكان الإيداع والزيادة على قدر الدين من الرهن أمانة فكانت وديعة قال الحسن بن زياد قال أبو حنيفة رحمه الله لو أقرض أحد المتفاوضين مالا فأعطاه رجلا ، ثم أخذ به سفتجة كان ذلك جائزا عليهما ، ولا يضمن ; توى المال أو لم يتو ، وفي قياس قول أبي يوسف أن الذي أقرض وأخذ السفتجة يضمن حصة شريكه من ذلك ، وهذا فرع اختلافهم في الكفالة أن الكفيل في حكم المقرض ، فإذا جازت الكفالة عند أبي حنيفة جاز القرض ، وعند أبي يوسف لا تجوز الكفالة لما فيها من معنى التبرع ، فكذلك القرض وقالوا في أحد المتفاوضين ، إذا استأجر إبلا إلى مكة ليحج ويحمل عليها متاع بيته فللمؤاجر أن يطالب أيهما شاء بالأجر ; لأن المعقود عليه وهو ، المنفعة ; مما يجوز دخوله في الشركة ، ألا ترى لو أبدله من حمل متاعه ، فحمل عليهما متاع الشركة جاز ، وإذا دخل في الشركة كان البدل عليهما فيطالب به شريكه بحكم الكفالة ، وإن وقع ذلك له خاصة ، كما لو اشترى طعاما لنفسه أن المشترى يقع له ويطالب الشريك بالثمن ، كذا هذا .

                                                                                                                                ولو آجر أحدهما عبدا له ورثه لم يكن لشريكه أن يقبض الإجارة ; لأنها بدل مال لم يدخل في الشركة ; فلا يملك قبضه كالدين الذي وجب له بالميراث والله [ ص: 76 ] عز وجل أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية