الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو كانت الجارية المشتراة زوجة أحدهما فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر يثبت نسبه من الزوج من غير دعوة لأنها إذا جاءت به لأقل من ستة أشهر فقد تيقنا أن علوق الولد كان من النكاح وعقد النكاح يوجب الفراش بنفسه ويضمن نصف قيمة الجارية لأنها صارت أم ولد له فصار متملكا نصيب شريكه بالقيمة ولا يضمن قيمة الولد لأنه عتق عليه من غير صنعه ولو اشترى أخوان جارية حاملا فجاءت بولد فادعاه أحدهما يثبت نسبه منه وعليه نصف قيمة الولد لأن دعوته دعوة تحرير فإذا ادعاه فقد حرره والتحرير إتلاف نصيب شريكه فيضمن نصف قيمته ولا يعتق الولد على عمه بالقرابة لأن الدعوة من أخيه إعتاق حقيقة فيضاف العتق إليه لا إلى القرابة هذا إذا ولدت الجارية المشتركة ولدا فادعاه أحد الشريكين أو ادعياه جميعا فأما إذا ولدت ولدين فادعى كل واحد منهما ولدا على حدة فنقول هذا في الأصل لا يخلو إما أن ولدتهما في بطن واحد وإما أن ولدتهما في بطنين مختلفين والدعوتان إما أن خرجتا جميعا معا وإما أن سبقت إحداهما الأخرى فإن ولدت الجارية الولدين في بطن واحد فإن خرجت الدعوتان جميعا معا ثبت نسب الولدين منهما جميعا لأن دعوة أحد التوأمين دعوة الآخر لاستحالة الفصل بينهما في النسب لعلوقهما من ماء واحد فكانت دعوة أحدهما دعوة الآخر ضرورة وإن سبق أحدهما بالدعوة ثبت نسب الولدين منه لأنه ثبت نسب المدعى ومن ضرورته ثبوت نسب الآخر وعتقا جميعا لعلوقهما حري الأصل وصارت الجارية أم ولد له وغرم نصف العقر ونصف قيمة الجارية والله سبحانه وتعالى أعلم هذا إذا ولدتهما في بطن واحد فأما إذا ولدتهما في بطنين مختلفين فإن خرجت الدعوتان جميعا معا ثبت نسب الأكبر من مدعي الأكبر بلا شك وصارت الجارية أم ولد له وغرم نصف قيمة الجارية ونصف العقر لمدعي الأصغر وهل يثبت نسب الولد الأصغر من مدعي الأصغر فالقياس أن لا يثبت إلا بتصديق مدعي الأكبر وفي الاستحسان يثبت وجه القياس أن الجارية صارت أم ولد لمدعي الأكبر لثبوت نسب الأكبر منه فمدعي الأصغر يدعي ولد أم ولد الغير ومن ادعى ولد أم ولد الغير لا يثبت نسبه منه إلا بتصديقه ولم يوجد وجه الاستحسان أن مدعي الأكبر غير مدعي الأصغر حيث أخر الدعوة إلى دعوته فصار مدعي الأصغر بتأخير دعوة الأكبر مغرورا من جهته وولد المغرور ثابت النسب حر بالقيمة وعلى مدعي الأصغر العقر لمدعي الأكبر لكن نصف العقر أو كله ففيه اختلاف الروايتين والتوفيق بينهما ممكن لأن رواية نصف العقر على مدعي الأصغر جواب حاصل ما عليه من العقر بعد القصاص وهو النصف ورواية الكل بيان ما عليه قبله لأن مدعي الأكبر قد غرم نصف العقر لمدعي الأصغر فالنصف بالنصف يلتقيان قصاصا فلا يبقى على مدعي الأصغر بعد المقاصة إلا النصف فأمكن التوفيق بين الروايتين من هذا الوجه وعلى مدعي الأصغر قيمة الولد الأصغر لأنه ولد المغرور وولد المغرور حر بالقيمة بإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فإذا على مدعي الأصغر نصف العقر وكل قيمة الولد وعلى مدعي الأكبر نصف قيمة الجارية لصيرورتها أم ولد له فيصير نصف قيمة الجارية الذي على مدعي الأكبر قصاصا بنصف العقر وقيمة الولد الذي على مدعي الأصغر ويترادان الفضل هذا إذا خرجت الدعوتان جميعا معا فادعى أحدهما الأكبر والآخر الأصغر فأما إذا سبق أحدهما بالدعوة فإن ادعى السابق الأكبر أولا فقد ثبت نسب الأكبر منه وعتق وصارت الجارية أم ولد له وغرم لشريكه نصف قيمة الجارية ونصف العقر بعد ذلك إذا ادعى الآخر الأصغر فقد ادعى ولد أم ولد الغير فلا بد من التصديق لثبات النسب فإن صدقه ثبت النسب ويكون على حكم أمه وإن كذبه لا يثبت النسب هذا إذا ادعى السابق بالدعوة الأكبر [ ص: 247 ] أولا فأما إذا ادعى الأصغر أولا ثبت نسب الأصغر منه وعتق وصارت الجارية أم ولد له وضمن نصف قيمتها ونصف عقرها لشريكه الآخر والأكبر بعد رقيق بينهما لأنه ولد جارية مملوكة بينهما لم يدعه أحد فإذا ادعاه الشريك الآخر بعد ذلك صار كعبد بين اثنين أعتقه أحدهما عتق نصيبه وثبت نسبه منه والشريك الآخر بالخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء ضمن المعتق قيمة نصيبه إن كان موسرا وإن كان معسرا فله خيار الإعتاق والاستسعاء لا غير وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله وعندهما إن كان موسرا فله تضمين الموسر لا غير وإن كان معسرا فله الاستسعاء على ما علم في كتاب العتاق ولو قال أحدهما الأكبر ابني والأصغر ابن شريكي ثبت نسب الأكبر منه وصارت الجارية أم ولد له وضمن نصف قيمة الجارية ونصف العقر لشريكه والأصغر ولد أم ولده أقر بنسبه لشريكه فإن صدقه شريكه ثبت نسبه منه ولا يعتق وإن كذبه لا يثبت النسب وكذلك لو قدم وأخر بأن قال الأصغر ابني والأكبر ابن شريكي ثبت نسب الأصغر منه ونسب الأكبر موقوف على تصديق شريكه ولو قال أحدهما الأصغر ابني والأكبر ابن شريكي أو قدم وأخر فقال الأكبر ابن شريكي والأصغر ابني ثبت نسب الأصغر منه وعتق وصارت الجارية أم ولد له وعتق وضمن لشريكه نصف قيمة الجارية ونصف العقر ونسب الأكبر موقوف على تصديق شريكه فإن صدقه ثبت النسب منه ويغرم لمدعي الأصغر نصف قيمة الأكبر وإن كذبه صار كعبد بين شريكين شهد أحدهما على صاحبه بالإعتاق وكذبه صاحبه لما علم في كتاب العتاق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية