الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                الوكيل بشراء عبد بعينه إذا اشترى نصفه فالشراء موقوف إن اشترى باقيه قبل الخصومة لزم الموكل عند أصحابنا الثلاثة ; لأنه امتثل أمر الوكيل ، وعند زفر يلزم الوكيل ولو خاصم الموكل الوكيل إلى القاضي قبل أن يشتري الوكيل الباقي ، وألزم القاضي الوكيل ثم إن الوكيل اشترى الباقي بعد ذلك يلزم الوكيل إجماعا ; لأنه خالف .

                                                                                                                                وكذلك هذا في كل ما في تبعيضه ضرر وفي تشقيصه عيب ، كالعبد والأمة والدابة والثوب وما أشبه ذلك ، وهذا بخلاف ما إذا وكله ببيع عبده ، فباع نصفه أو جزءا منه معلوما أنه يجوز عند أبي حنيفة سواء باع الباقي منه أو لا ، والفرق له على نحو ما ذكرنا في التوكيل بالبيع مطلقا .

                                                                                                                                ولو أعتقه بعد ما اشترى نصفه قبل أن يشتري الباقي قال أبو يوسف : إن أعتقه الموكل جاز ، وإن أعتقه الوكيل لم يجز ، وقال محمد على القلب من ذلك .

                                                                                                                                ( وجه ) قول محمد : أن الوكيل قد خالف فيما وكل به فلم يكن مشتريا للموكل فكيف ينفذ منه إعتاقه وهو في الظاهر مشتر لنفسه ، فينفذ إعتاقه .

                                                                                                                                ولأبي يوسف أن إعتاق الموكل صادف عقدا موقوفا نفاذه على إجازته ، فكان الإعتاق إجازة منه ، كما إذا صرح بالإجازة .

                                                                                                                                وإعتاق الوكيل لم يصادف عقدا موقوفا على إجازته ; لأن الوكيل بشراء شيء بعينه لا يملك الشراء لنفسه ، فلم يحتمل التوقف على إجازته ; فبطل .

                                                                                                                                وإن كان وكله بشراء شيء ليس في تبعيضه ضرر ولا في تشقيصه عيب فاشترى نصفه يلزم الموكل ، ولا يقف لزومه على شراء الباقي .

                                                                                                                                نحو إن وكله بشراء كر حنطة بمائة درهم ، فاشترى نصف الكر بخمسين ، وكذا لو وكله بشراء عبدين بألف درهم ، فاشترى أحدهما بخمسمائة ، لزم الموكل إجماعا .

                                                                                                                                وكذا لو وكله بشراء جماعة من العبيد ، فاشترى واحدا منها والله أعلم .

                                                                                                                                الوكيل بشراء عشرة أرطال لحم بدرهم إذا اشترى عشرين رطلا بدرهم من لحم يباع مثله عشرة أرطال بدرهم، لزم الموكل منه عشرة أرطال بنصف درهم عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف يلزمه العشرون بدرهم ولو اشترى عشرة أرطال ونصف رطل بدرهم يلزم الموكل استحسانا .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي يوسف : أن هذا خلاف صورة لا معنى لأنه خلاف إلى خير ، وذا لا يمنع النفاذ على الموكل .

                                                                                                                                كما إذا اشترى عشرة أرطال ونصفا بدرهم أنه يلزم الموكل كذا هذا .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن الوكيل يتصرف بحكم الآمر ، فلا يتعدى تصرفه موضع الأمر ، وقد أمره بشراء عشرة أرطال فلا يلزمه الزيادة على ذلك .

                                                                                                                                بخلاف ما إذا اشترى عشرة أرطال ونصف رطل بدرهم ; لأن الزيادة القليلة لا تتحقق زيادة [ ص: 31 ] لدخولها بين الوزنين .

                                                                                                                                ولو وكله بشراء عبد بمائة ، فاشترى بها عبدين كل واحد منهما يساوي مائة روي عن أبي حنيفة - رحمه الله - أنه لا يلزم الموكل واحد منهما .

                                                                                                                                وقال أبو حنيفة : إذا وكل رجلا بشراء عبدين بأعيانهما بألف درهم ، وقيمتهما سواء فاشترى أحدهما بستمائة درهم ، لا يلزم الموكل إلا أن يشتري الثاني ببقية الألف وقال أبو يوسف ومحمد : إذا كانت الزيادة مما يتغابن الناس في مثلها ، يلزمه وهذا لا يتحقق خلافا والله - عز وجل - أعلم .

                                                                                                                                والوكيل بشراء شيء بعينه لا يملك أن يشتريه لنفسه ، وإذا اشترى يقع الشراء للموكل ; لأن شراءه لنفسه عزل لنفسه عن الوكالة ، وهو لا يملك ذلك إلا بمحضر من الموكل ، كما لا يملك الموكل عزله إلا بمحضر منه على ما نذكره في موضعه إن شاء الله - تعالى - .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية