الدال عليهما ما قبلهما ( شرط موكل ووكيل ) لما مر أنها توكيل في الحفظ ( وشرطهما ) [ ص: 101 ] أي المودع والوديع ومرت شروطهما في الوكالة مع ما يستثنى منها لمعنى لا يأتي هنا فلا يرد عليه ويجوز إيداع مكاتب لكن بأجرة لامتناع تبرعه بمنافعه من غير إذن السيد ( ويشترط ) المراد بالشرط هنا ما لا بد منه ( صيغة المودع ) بلفظ أو إشارة أخرس مفهمة صريحة كانت ( كاستودعتك هذا أو استحفظتك ) هـ ( أو أنبتك في حفظه ) أو أودعتكه أو أستودعه أو أستحفظه أو كناية كخذه وككناية مع النية فلا يجب على حمامي حفظ ثياب من لم يستحفظه خلافا لقول فلا يجوز إيداع محرم صيدا ولا كافر نحو مصحف القاضي يجب للعادة فعلى الأول لا يضمنها لو ضاعت وإن فرط في حفظها بخلاف ما إذا استحفظه وقبل منه أو أعطاه أجرة لحفظها فيضمنها إن فرط كأن نام أو نعس أو غاب ولم يستحفظ غيره أي وهو مثله كما هو ظاهر وإن فسدت الإجارة ومثل ذلك الدواب في الخان فلا يضمنها الخاني إلا إن قبل الاستحفاظ أو الأجرة .
وليس من التفريط فيهما ما لو كان يلاحظه كالعادة فتغفله سارق أو خرجت الدابة في بعض غفلاته ؛ لأنه لم يقصر في الحفظ المعتاد وظاهر أنه يقبل قوله فيه بيمينه ؛ لأن الأصل عدم التقصير ( والأصح أنه لا يشترط القبول ) من الوديع لصيغة العقد أو الأمر ( لفظا و ) يحتمل أنها استئنافية وأنها عاطفة على لا يشترط ( يكفي ) مع عدم اللفظ والرد منه ( القبض ) ، ولو على التراخي كما في الوكالة والمراد بالقبض هنا حقيقته السابقة في البيع لقولهم لا يكفي الوضع هنا بين يديه مطلقا أي حيث لم يقل مثلا ضعه لما يأتي فيه وفارق ذاك بأن التسليم ثم واجب لا هنا وقضية كلامه أنه مع القبول لا يشترط قبض فلو قال هذا وديعتي عندك كذا عبر به في الروضة عن البغوي والظاهر أنه مثال وأنه يكفي هذا وديعة إذا قامت قرينة على المراد ثم رأيت شارحا نقل هذه عن التهذيب وينبغي حمله على ما ذكرته أو احفظه [ ص: 102 ] فقال قبلت أو ضعه فوضعه في موضع كان إيداعا وهو ما قاله البغوي وقال المتولي لا بد من قبضه وفي فتاوى الغزالي لو قال ضعه فوضعه في موضع بيده كان إيداعا وإلا وكلام كانظر إلى متاعي في دكاني فقال ، نعم : لم يكن إيداعا البغوي أوجه سواء المسجد وغيره ؛ لأن اللفظ أقوى من مجرد الفعل .
ثم رأيت الرافعي في الصغير والأذرعي رجحاه أيضا ومن ثم جزم به في الأنوار ومن تبعه فقالوا في صبي جاء بحمار لراع أي والحمار لغيره الآذن له في ذلك ولا نظر لفساد العقد هنا كما هو ظاهر إذ الصبي لا يصح توكله عن غيره في غير نحو إيصال الهدية ؛ لأن للفاسد حكم الصحيح ضمانا وعدمه فإطلاق ذاكري هذه المسألة يحمل على ذلك لما يأتي في إيداع الصبي ماله فقال له دعه يرتع مع الدواب ثم ساقها كان مستودعا له وواضح أن سوقها ليس بشرط ، نعم : يتجه ما قاله الغزالي آخرا ؛ لأن مأخذ الفساد فيه إما كون أن أمره بالنظر لا يستلزم إيداعا وإن أجاب بنعم أو قبلت ، أو أن كونه بيد المالك يمنع من استيلائه عليه . ومن ثم صور كلام البغوي بما إذا كان الوضع بين يديه بحيث يعد مستوليا عليه ثم رأيت غير واحد اعتمدوا ما اعتمدته من كلام البغوي وآخر كلام الغزالي فجزموا بأن من ضمنه أي إن عد مستوليا عليه بخلاف ما لو أغلق المالك الباب . قال لآخر عن متاعه بمسجد ، أو دار بابه مفتوح احفظه فقال : نعم ، ثم خرج المالك ، ثم الآخر وترك الباب مفتوحا
ثم قال لآخر : احفظه وانظر إليه فأهمله فسرق فلا يضمنه ، ومتى رد ثم ضيع كأن ذهب وتركها ولم يكن قبضها ، أو قبضها حسبة بأن صانها عن ضياع عرضت له ، ولو من مالكها الرشيد فيما يظهر ويحتمل خلافه ولم يضمنها وذهابه بدونها والمالك حاضر رد ولا إثم عليه هنا مطلقا [ ص: 103 ] فيما يظهر خلافا لما يوهمه بعض العبارات ؛ لأنه بعد الرد الذي علم به المالك لا ينسب إليه تقصير بوجه بخلافه فيما إذا لم يقبل ولم يقبض فإنه يأثم إن ذهب وتركها بعد غيبة المالك ؛ لأنه غره ، ولو وجد لفظ من الوديع وأعطاه من المودع كان إيداعا أيضا على الأوجه وفاقا للأذرعي والزركشي وخلافا لما يوهمه المتن وغيره فالشرط لفظ أحدهما وفعل الآخر لحصول المقصود به ويدخل ولد الوديعة تبعا لها ؛ لأن الأصح أن الإيداع عقد لا مجرد إذن في الحفظ فلا يجب رده إلا بالطلب وقيل أمانة شرعية فيجب رده عقب علمه به فورا ويفرق بينه وبين ولد المرهونة والمؤجرة بأن تعلق الرهن ، أو الإجارة به فيه إلحاق ضرر بالمالك لم يرض به بخلاف ما هنا ؛ لأن حفظه منفعة له فهو راض به قطعا .
ويأتي في التعليق هنا ما مر في الوكالة