الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسألة السادسة والعشرون : في التخصيص بالعادة

                        ذهب الجمهور إلى عدم جواز التخصيص بها ، وذهب الحنفية إلى جواز التخصيص بها .

                        قال الصفي الهندي : وهذا يحتمل وجهين :

                        أحدهما : أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوجب أو حرم شيئا بلفظ عام ، ثم رأينا العادة جارية بترك بعضها ، أو بفعل بعضها ، فهل تؤثر تلك العادة حتى يقال : المراد من ذلك العام ما عدا ذلك البعض ، الذي جرت العادة بتركه ، أو بفعله ، أو لا تؤثر في ذلك ، بل هو باق على عمومه متناول لذلك البعض ولغيره .

                        الثاني : أن تكون العادة جارية بفعل معين كأكل طعام معين مثلا ، ثم إنه عليه السلام نهاهم عن تناوله بلفظ متناول له ولغيره ، كما لو قال : نهيتكم عن أكل الطعام ، فهل يكون النهي مقتصرا على ذلك الطعام بخصوصه أم لا ، بل يجري على عمومه ، ولا تؤثر عاداتهم .

                        قال : والحق أنها لا تخصص ; لأن الحجة في لفظ الشارع ، وهو عام ، والعادة ليست بحجة حتى تكون معارضة له . انتهى .

                        وقد اختلف كلام أهل الأصول ، وصاحب المحصول ، وأتباعه تكلموا على الحالة الأولى ، واختار فيها أنه إن علم جريان العادة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع عدم منعه عنها فيخصص بها ، والمخصص في الحقيقة هو تقريره صلى الله عليه وآله وسلم .

                        وإن علم عدم جريانها لم يخصص بها إلا أن يجمع على فعلها ، فيكون تخصيصا بالإجماع .

                        وأما الآمدي ، وابن الحاجب فتكلموا على الحالة الثانية .

                        قال الزركشي : وهما مسألتان لا تعلق لإحداهما بالأخرى ، فتفطن لذلك ، فإن [ ص: 459 ] بعض من لا خبرة له حاول الجمع بين كلام الإمام الرازي في المحصول ، وكلام الآمدي ، وابن الحاجب ظنا منه أنهما تواردا على محل واحد ، وليس كذلك .

                        وممن صرح بأنهما حالتان القرافي في شرح التنقيح ، وفرق بأن العادة السابقة على العموم تكون مخصصة ، والعادة الطارئة بعد العموم لا يقضى بها على العموم . انتهى .

                        والحق أن تلك العادة إن كانت مشتهرة في زمن النبوة ، بحيث يعلم أن اللفظ إذا أطلق كان المراد ما جرت عليه دون غيره فهي مخصصة ; لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما يخاطب الناس بما يفهمون ، وهم لا يفهمون إلا ما جرى عليه التعارف بينهم ، وإن لم تكن العادة كذلك فلا حكم لها ، ولا التفات إليها .

                        والعجب ممن يخصص كلام الكتاب والسنة بعادة حادثة بعد انقراض زمن النبوة ، تواطأ عليها قوم وتعارفوا بها ، ولم تكن كذلك في العصر الذي تكلم فيه الشارع ، فإن هذا من الخطأ البين ، والغلط الفاحش .

                        أما لو قال المخصص بالعادة الطارئة إنه يخصص بها ما حدث بعد أولئك الأقوام المصطلحين عليها من التحاور في الكلام ، والتخاطب بالألفاظ ، فهذا مما لا بأس به ، ولكن لا يخفى أن بحثنا في هذا العلم إنما هو عن المخصصات الشرعية فالبحث عن المخصصات العرفية لما وقع التخاطب به من العمومات الحادثة من الخلط لهذا الفن بما ليس منه ، والخبط في البحث بما لا فائدة فيه .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية