الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا هناد ) بتشديد النون ( حدثنا وكيع عن سفيان ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ) بكسر القاف واسمه عبد الله بن زيد ( عن زهدم ) بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة ( الجرمي ) بالجيم المفتوحة والراء الساكنة ، كذا في الجامع ، وذكر في التقريب أنه أبو مسلم البصري ثقة من الثالثة ( قال : كنا عند أبي موسى فأتي ) بصيغة المجهول أي جيء ( بلحم دجاج ) قال الحنفي : مفعول قائم مقام فاعله ، وقال ابن حجر : نائب الفاعل ضمير أبي موسى ، وزعم أنه بلحم دجاج ، غلط فاحش ، انتهى .

وفي كونه غلطا فضلا عن أن يكون فاحشا ، نظر ظاهر إذ التقدير أتي بلحم دجاج من عند أهله للحاضرين ، كما سيأتي فتقدم طعامه .

ثم الدجاج بفتح الدال ، ونقل ميرك عن الشيخ أن الدجاج اسم جنس ، وهو مثلث الدال كما ذكره المنذري ، وابن مائد ، ولم يحك النووي ضم الدال ، واحدة دجاجة مثلثة أيضا ، وقيل : إن الضم فيه ضعيف ، وأفاد الحربي في غريبه أن الدجاج بالكسر اسم للذكران دون الإناث ، الواحد منها ديك ، وبالفتح اسم للإناث دون الذكران ، والواحد دجاجة بالفتح أيضا ، سمي به لإسراعه من دج يدج من حد نصر إذا بالغ في السير سريعا ، والمعنى أنه أتي بطعام فيه دجاج كما يأتي ( فتنحى ) من التنحي من النحو أي صار إلى طرف القوم [ ص: 248 ] وتباعد ( رجل من القوم ) قيل : هو زهدم ، قال ابن حجر : روى حديثه الشيخان أيضا ، وسيأتي أنه من تيم الله أحمر كأنه مولى من الموالي .

وزعم أنه زهدم ، وأنه عبر عن نفسه برجل ليس في محله ; لأن زهدم في الرواية الآتية بينه بصفته ونسبته ( فقال ) أي أبو موسى ( ما لك ) استفهام متضمن للإنكار ، أي أي شيء مانع أو باعث لك على ما فعلت من التنحي ( قال ) أي الرجل ( إني رأيتها ) أي أبصرت الدجاجة - جنسها - حال كونها ( تأكل شيئا ) أي من القاذورات ، وفي بعض النسخ نتنا بنونين بينهما فوقية مكسورة ، ويجوز سكونها بتقدير ذا ، كذا ذكره ميرك والظاهر أنه بدل من شيئا لا أنه وصف له ( فحلفت ) بفتح اللام أي أقسمت ( أن لا آكلها ) والظاهر أن حلفه لإباء طبعه وكراهته لأكلها نتنا كما يأتي من قوله : فقذرته لا لتوهم حرمته ، كما توهم الحنفي وتبعه ابن حجر ، فإنه إذا اعتقد الحرمة ما احتاج إلى اليمين ، وأيضا كونه من التابعين وفي أيام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، يمنع أن يحرم حلالا بغير دليل قطعي ، مع أن الطعام مطبوخ في بيت أبي موسى ( قال ) أي أبو موسى ( ادن ) بضم النون أمر من الدنو أي اقرب ، وخالف طبعك ، وتابع شرعك ( فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل لحم دجاج ) فالأنسب متابعته لقوله صلى الله عليه وسلم . لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به .

قال النووي في أربعينه : حديث صحيح ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : إذا حلفت على يمين ، فرأيت غيرها خيرا منها ، فأت الذي هو خير ، وكفر عن يمينك ، رواه الشيخان .

قال ابن حجر : فإن قلت : لعله فهم أن في جنسها جلالة ، وهي يحرم أو يكره أكلها على الخلاف فيه ، فكيف يؤمر بالحنث حينئذ ، قلت : لا يلزم من ذلك كونها جلالة ; لأن مجرد أكلها القذر لا يستلزم التغير الذي حصوله شرط في تسميتها جلالة ، حتى يجري ذلك الخلاف فيها ، نعم ، لو قيد يمينه بالجلالة لم يندب الحنث فيها ، انتهى .

وفي جواب السؤال وتطابقهما نظر لا يخفى مع أن حرمة أكل الجلالة أو كراهتها مقيدة بعدم [ ص: 249 ] حبسها ثلاثة أيام ، كما هو مقرر في الفروع ، ولا يظن بالمسلمين لا سيما في ذلك الزمان أن يرتكبوا الكراهة ، فضلا عن الحرمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية