الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، حدثنا يحيى بن عباد ) بفتح فتشديد ( عن فليح ) بضم فاء وفتح لام وسكون تحتية وحاء مهملة ( بن سليمان قال حدثني رجل من بني عباد ) قبيلة ( يقال له عبد الوهاب بن يحيى بن عباد ، عن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : ما كانت ) وفي نسخة ما كان ( الذراع أحب اللحم ) وفي نسخة بأحب اللحم ( إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي على الإطلاق لما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم : إن أطيب اللحم لحم الظهر ( ولكنه كان لا يجد اللحم إلا غبا ) بكسر معجمة وتشديد موحدة أي وقتا دون وقت ، لا يوما بعد يوم ، لما ثبت في الصحيحين عن عائشة قالت : كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا ، إنما هو التمر والماء إلا أن يؤتى باللحم .

[ ص: 266 ] ( وكان يعجل ) بفتح الجيم أي يسرع ( إليها ) أي إلى الذراع ( لأنها أعجلها ) أي أسرع اللحوم ( نضجا ) بضم أوله أي طبخا ، وضمير أعجلها إلى اللحوم المفهوم من قوله لا يجد اللحم ; لأنه مفرد محلى باللام فهو في معنى الجمع ، وجعله للحم ، والقول بأن تأنيثه باعتبار أنه قطعة لا يخلو عن بعد ، ولعل تعجيله صلى الله عليه وسلم إلى الذراع فراغه من أمر الأكل ، وتوجهه إلى أمر الآخرة ، وقال النووي : محبته صلى الله عليه وسلم الذراع لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها ، وبعدها عن مواضع الأذى ، وقال ابن حجر : هذا بحسب ما فهمته عائشة رضي الله عنها ، وإلا فالذي دل عليه الأحاديث السابقة وغيرها أنه كان يحبه محبة غريزية طبيعية ، سواء فقد اللحم أم لا ، وكأنها أرادت بذلك تنزيه مقامه الشريف عن أن يكون له ميل إلى شيء من الملاذ ، وإنما سبب المحبة سرعة نضجها ، فيقل الزمن في الأكل ، ويتفرغ لمصالح المسلمين ، وعلى الأول فلا محذور في محبة الملاذ بالطبع ; لأن هذا من كمال الخلقة ، وإنما المحذور المنافي للكمال التفات النفس وعناؤها في تحصيل ذلك ، وتأثرها لفقده .

ومما كان يحبه صلى الله عليه وسلم أيضا الرقبة ، على ما ورد عن ضباعة بنت الزبير ، أنها ذبحت شاة فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم أن أطعمينا من شاتكم ، فقالت : ما بقي عندنا إلا الرقبة ، وإني لأستحيي أن أرسل بها ، فقال للرسول ارجع إليها ، فقال : أرسلي بها فإنها هادية الشاة ، وأقرب الشاة إلى الخير ، وأبعدها من الأذى .

فهي كلحم الذراع والعضد ، أخف على المعدة ، وأسرع هضما ، ومن ثمة ينبغي أن يؤثر من الغذاء ما كثر نفعه ، وتأثيره في القوى ، وخف على المعدة ، وكان أسرع انحدارا عنها وهضما ; لأن ما جمع ذلك أفضل الغذاء .

وورد بسند ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره الكليتين ، لمكانهما من البول ، قلت : رواه ابن السني في الطب عن ابن عباس .

وورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يكره من الشاة سبعا : المرارة ، والمثانة ، والحياء ، والذكر ، والأنثيين ، والغدة ، والدم ، وكان أحب الشاة إليه مقدمها ، رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر ، والبيهقي عن مجاهد مرسلا ، وابن عدي والبيهقي عن مجاهد عن ابن عباس ، وكان يكره أن يأكل الضب ، رواه الخطيب عن عائشة .

التالي السابق


الخدمات العلمية