الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 250 ] ( حدثنا علي بن حجر ) بضم مهملة وسكون جيم ( حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن القاسم التميمي ) هو ابن عاصم التميمي ويقال : الكليني بنون بعد التحتية ، مقبول من الرابعة ، كذا في التقريب ، وفي نسخة ضعيفة التيمي بميم واحدة ( زهدم الجرمي قال : كنا عند أبي موسى ) أي حاضرين أو جالسين ( قال ) أي : زهدم وأعيد تأكيدا ( فتقدم طعامه ) بصيغة المجهول من التقدم ، كذا مضبوط في أصل السيد ، وفي نسخة صحيحة فقدم بصيغة المفعول من التقديم ، وهو ظاهر ، ففي القاموس قدم القوم كنصر وقدمهم واستقدمهم ، تقدمهم والمعنى فأتي بطعامه ( وقدم في طعامه ) أي في أثنائه أو في جملته ( لحم دجاج ) والثاني أظهر ; لأنه لو كان هناك طعام آخر لما تنحى ، وأكل من غيره ، ويمكن أن يكون تبعده من أكله خصوصا فتأمل ( وفي القوم ) أي الحاضرين ( رجل من بني تيم الله ) أي عبد الله من قولهم تيمه الحب أي عبده وذلله ، وهو تيم الله بن ثعلبة ، وهم حي من بني بكر يقال لهم اللهازم ( أحمر ) صفة رجل ( كأنه مولى ) أي من مواليهم على حسب ظنه ، أو يشبه مولى لحمرة وجهه ( قال ) أي زهدم ( فلم يدن ) أي لم يقرب الرجل إلى الطعام ، وهو معنى التبعد السابق ، أو هما كنايتان عن عدم إقباله على الطعام ، وانتفاء تناوله منه ( فقال له أبو موسى : ( ادن ) أي اقرب إلى الطعام ، وكل ( فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل منه ) تذكير الضمير فيه وفيما بعده راجع إلى الدجاج هنا ، بخلافه هناك ، فإنه إلى الدجاجة ، ولكل وجهة تظهر وجهه ( قال ) أي الرجل ( إني رأيته يأكل شيئا ) وفي نسخة نتنا ( فقذرته ) بكسر الذال المعجمة أي استقذرته وعددته قذرا ، قال ميرك : ولا بد من اعتبار هذه الجملة في الطريق الأولى أيضا ; ليترتب عليه قوله : ( فحلفت أن ) وفي نسخة أني ( لا أطعمه ) بفتح العين أي لا آكله ( أبدا ) [ ص: 251 ] أي مدة ما أعيش في الدنيا .

قال الحنفي : واعلم أن قصة الدجاج عند أبي موسى إن كانت واحدة ، لا تخلو عن إشكال للتفاوت بين الروايتين اللتين أوردهما المصنف ، إذ الأولى بظاهرها يدل على أن اعتذار الرجل عن تنحيه من القوم ، مقدم على قول أبي موسى إياه : ادن فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحديث .

والرواية الثانية بظاهرها يدل على عكس ذلك ، فلا بد أن يصرف إحداهما عن الظاهر ، تدبر .

قلت : تدبرنا ووجدنا القصة واحدة ، فدبرنا أن الجمع بينهما ممكن بتعدد قوله : ادن ، بل هو متعين ; لأنه قال له حين تنحى : ادن ما لك ، أو ما لك ادن ، كما هو العادة ، ولما تعلل بما تعلل ، قال له : ادن فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحديث هذا .

وفي تلبيس إبليس لابن الجوزي ، ومن جهلة الصوفية من يقلل المطعم ، وأكل الدسم حتى ييبس بدنه ، ويعذب نفسه بلبس الصوف ، ويمتنع من الماء البارد ، وما هذه طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا طريق صحابته وأتباعهم ، وإنما كانوا يجوعون إذا لم يجدوا شيئا ، فإذا وجدوا أكلوا ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل اللحم ويحبه ، ويأكل الدجاج ويحب الحلواء ، ويستعذب له الماء البارد ، فإن الماء الحار يؤذي المعدة ولا يروي .

وكان رجل يقول : لا آكل الخبيص ; لأني لا أقوم بشكره ، فقال الحسن البصري : هذا رجل أحمق ، وهل يقوم بشكر الماء البارد ، وقد كان سفيان الثوري إذا سافر حمل معه في سفرته اللحم المشوي ، والفالوذج ، انتهى .

ومحمله قوله تعالى : قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وقال عز وجل : ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ومن دعائه عليه السلام : اللهم اجعل حبك أحب إلي من الماء البارد .

وقال السيد أبو الحسن الشاذلي قدس الله سره : الذي يشرب الماء البارد ، ويحمد الله من وسط قلبه ، يعني مرتبة الشكر ، أتم من حالة الصبر ، فإن الأول يورث المحبة ، نعم . إذا لم يوجد فمقامه الصبر ، وبهما يتم مقام الرضى بالقضاء ، وهو باب الله الأعظم ، وقد قال تعالى : ورضوان من الله أكبر و يحبهم ويحبونه و رضي الله عنهم ورضوا عنه

التالي السابق


الخدمات العلمية