الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ضرورة ترشيد حركة التحقيق العلمي للمخطوطات

لقد دخل إلى ميدان النشر تجار الكتب والطفيليون، فتم إخراج الكثير من المؤلفات بصورة سقيمة مليئة بالتحريف والتصحيف فضلا عن الأخطاء الطباعية، وامتلأت جيوب هـؤلاء بالمال على حساب التراث ومحبيه، حتى إذا اهتم العالم المتخصص بنشر كتاب ما بصورة علمية، وأمضى شطرا من حياته في خدمته؛ وجد أن السوق تعاني من سياسة الإغراق التي يستخدمها التجار بحيث لا يجد لكتابه مشتريا بعد أن اقتنى الناس نسخهم قبل صدور طبعته، ولا يكتفي التجار بذلك، بل هـم يلاحقون كتابه حتى إذا رأوا نشره مجديا اقتصاديا حذفوا اسم المحقق وطبعوه، وأحيانا صوروه وباعوه بثمن أقل؛ لأن كلفة التصوير وإمكانات الناشرين أقوى من المؤلف مما يمكنهم من خفض الكلفة كثيرا.

إن الطريق السليم لإنقاذ حركة النشر يتمثل في دعم المؤسسات المعنية لها بواسطة الترشيد العلمي أولا، ثم التبني للنشر ثانيا، ثم [ ص: 38 ] التكفل بالتوزيع ثالثا، بحيث لا يتدخل المحقق في أعمال الطباعة والتسويق، وإنما تنحصر جهوده في التحقيق العلمي للكتاب وتسليمه للمؤسسة التي تتولى مكافأته وإخراج كتابه وتسويقه، ولا يقتضي ذلك أن يتضخم جهاز المؤسسات؛ إذ يمكن أن تتعامل مع دور النشر وفق شروط مناسبة، وسوف تكون أقوى بكثير وأقدر على فرض شروطها من المحقق.

إن مشاكل الكتاب كثيرة، وقد استمرت معاناة المؤلفين والمحققين منذ مطلع هـذا القرن دون أن تتمكن الجهات المتخصصة من القيام بالمحافظة على حقوقهم المعنوية والمادية وحل المشكلات التي يعانون منها، وأبرزها: جشع معظم الناشرين، وقدرتهم على ابتزاز المحقق بحيث ينالون معظم الربح، ولا يبقى له إلا اليسير. وكذلك " الروتين " القاتل في المؤسسات الرسمية وعدم ارتفاعها إلى مستوى المسئولية. ثم عدم وجود اللوائح القانونية الكافية لحفظ حقوق التأليف والتحقيق.

وكثيرا ما يتولى إدارة هـذه المؤسسات رجال لا علاقة لهم بالعلم ولا بالكتاب.

إن كثيرا من الكتاب يركزون على ضرورة إخراج المخطوطات إلى حيز المطبوعات محققة بصورة علمية (مع عدم الاتفاق على الشروط العلمية المطلوبة أو تفاصيل المنهج المراد اتباعه ليكون التحقيق علميا ) ، وهذا الهدف وإن كان مطلوبا؛ لكنه ينبغي أن يسبق بدراسات تفصيلية لسائر المخطوطات، وجدولتها حسب الفنون أولا، ثم حسب [ ص: 39 ] الأهمية ثانيا، مع بيان مدى خدمة كل مخطوطة للفن الذي ألفت فيه. إن هـذه الدراسات ينبغي أن تتقدم تحقيق المخطوطات؛ لأنها الطريقة الوحيدة لترشيد عمل المحققين، وإبعاد حركة التحقيق عن السقوط في المتاهات، والتخبط بين ملايين المخطوطات، وإخراج بعضها وإهمال بعضها الآخر دون انتقاء علمي مبني على دراسات عميقة متخصصة..

إن المطلوب من المؤسسات المعنية بالمخطوطات ليس مجرد جمعها وإخراج عدد محدود منها إلى عالم المطبوعات، بل السعي الحثيث للتعريف بالمخطوطات بواسطة العلماء المتخصصين بالفنون التي تتناولها المخطوطات، وأن يتم ذلك بأقصى سرعة ممكنة، وذلك لتكوين رؤية واضحة للتراث المخطوط تمكن من تحديد الأولويات، وبذلك يتم ترشيد حركة تحقيق المخطوطات التي صارت تعاني من الفوضى وتفتقد حسن الانتقاء والتذوق العلمي السليم، فإذا كانت لدينا ثلاثة ملايين مخطوطة كما تذهب بعض الإحصاءات الحديثة في شتى الفنون؛ فينبغي أن ندرس أولا ما إذا كانت تستحق كلها أن تبذل فيها الجهود للتحقيق والنشر.

إن المحقق قد يمكنه إخراج عشرة كتب في حياته - بالمتوسط - ومعنى ذلك أننا نحتاج إلى ثلاثمائة ألف محقق يمضون حياتهم لإخراج هـذه المخطوطات!! وبالطبع فإننا لا نمتلك على صعيد العالم الإسلامي (1% ) من هـذا العدد. [ ص: 40 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية