الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

قيم المجتمع الإسلامي من منظور تاريخي [الجزء الأول]

الدكتور / أكرم ضياء العمري

الفصل الرابع

قيم الحياة العلمية والتقنية

إن النظرة الإسلامية المتفائلة نحو الحياة الدنيا وزينتها وطيباتها، والتي غرسها القرآن في نفوس المسلمين ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هـي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون ) [الأعراف:32].

أثمرت حضارة مادية رائعة في العصور الإسلامية الذهبية، شملت الفكر والعلوم والزراعة والصناعة. فالمسلم في عصور الازدهار لم ينس نصيبه من الدنيا، ولم يشعر بالكبت تجاه العمران، فعقيدته لا تأمره بالتبتل والحرمان ولا تنأى به عن استثمار الطاقات المتنوعة لصالحه ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ) [القصص:77]،

فالمطلوب أن يكون الاستثمار والعمران في نطاق الإحسان دون الظلم والانحراف عن الفطرة وتسخير القوى نحو الشر والدمار والطغيان على العباد.

والقرآن يربي أتباعه على الإتقان في كل شيء، والإتقان يقابل فن الصناعة [ ص: 115 ] ( التكنولوجيا ) . والله الذي له المثل الأعلى خلق الإنسان في أحسن تقويم معتدل الخلق متناسب الأعضاء متسقا مع البيئة التي حوله قادرا على العيش فيها واستغلالها ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) [التين:4]،

( خلق السماوات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير ) [التغابن:3]،

( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ) [الانفطار:6-8] ...

وقدمت السنة معالم كثيرة تدل على أهمية الإتقان ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ) [1] . والإحسان مرتبة عليا فوق الإسلام والإيمان، وفيها تتفجر الطاقات الإنسانية وتنفتح على عالم الغيب بتركيز عال من العبادة والرقابة واليقين: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) [2]

ومن العوامل التي عجلت بتقدم المدنية الإسلامية توجيه القرآن أتباعه، نحو الطبيعة وعلومها، ونهيه عن التفكر في ذات الله وعن الجدل العقيم وعن استخدام الحواس في أمور الغيب التي لا تتم معرفتها إلا بالوحي الإلهي. وهكذا اتجه علماء المسلمين في علم الفلك نحو مظاهر الكون وعلاقاتها وأسبابها ومسبباتها، فربطوا حركة المد والجزر بحركة القمر، وطبقوا حساب المثلثات على الأرصاد الفلكية، وقاسوا أجرام الشمس والقمر والنجوم بطرق هـندسية حسابية قريبة من الحقيقة، وقاسوا أبعادها عن الأرض، [ ص: 116 ] وتأسس على أيديهم علم المثلثات الكروية في القرن الرابع الهجري مما أدى إلى تسهيل حساب المسافات بين الأمكنة على الأرض، كما قاسوا محيط الأرض بأمر الخليفة المأمون بطريقة مبتكرة فبلغ (41248كم) وعرف طوله الآن على الحقيقة (40070كم) ، وتمكن البتاني (القرن الرابع) من حساب السنة بمقدار 365 يوما وخمس ساعات و46 دقيقة و24 ثانية. والفرق بين تقديره والتقدير الحالي دقيقتان واثنان وعشرون ثانية. واعتمد المسلمون على الرصد الفلكي المستمر من مراصدهم الممتدة من مراغة وسمرقند إلى إشبيلية . وطوروا آلات الرصد من الاسطرلابات والمناظير المتنوعة، وعرفوا أن الأرض تدور حول الشمس منذ القرن الثامن الهجري على يد ابن الشاطر الدمشقي، ووضعوا الجداول الرياضية (التقاويم) مستندين على علم الأزياج. وكان أبرز علماء الفلك المسلمين ينكرون التنجيم (أثر النجوم في حياة الإنسان) Astrology كالخوارزمي والفرغاني والبيروني ، وهذا من أثر العقيدة الإسلامية عليهم؛ ففي الحديث ( من قال مطرنا بنجم كذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي ) [3] . وقد مهد علماء الفلك المسلمين للنهضة العلمية الأوروبية، حيث لازالت مصطلحاتهم تستعمل في علم الفلك المعاصر وأحصتها زيغريد هـونكة بـ160 مصطلح وكلمة.

واهتم المسلمون بالرياضيات، وابتكر العالم المسلم أبو الحسن علي الأقليدسي (القرن الرابع الهجري) نظام الكسر العشري في الحساب، مما كان له أثر كبير في تقدم الحساب وفي اختراع الآلة الحاسبة (الكومبيوتر) في العصر الحديث، ووضع المسلمون علم الجبر الذي لازال يعرف باسمه [ ص: 117 ] العربي في مختلف لغات العالم Algebra حيث ألف محمد بن موسى الخوارزمي (ت235هـ) - كتابه المشهور (الجبر والمقابلة) في عصر المأمون (198-218هـ) . ووضع المسلمون اللبنات الأولى للهندسة التحليلية عندما حلوا المعادلات التكعيبية الصعبة، كما برعوا في الهندسة التطبيقية حيث طبقها ابن الهيثم - (ت430هـ) - في العديد من المسائل في علم المناظر (البصريات) ، لتحليل الشعاع وانعطافه وانكساره وانعكاسه على المرايا المستوية والمقعرة والمحدبة والاسطوانية. وقام المسلمون بتنظيم علم المثلثات وهو يبحث في الزوايا وعلاقتها بالأبعاد، وأضافوا إليه اكتشاف جيب الزاوية وجيب التمام والظل (المماس) وقاطع التمام Cosecant.

والمسملون هـم الذين أنشأوا علم الكيمياء واكتشفوا بعض أجزائها المهمة كحامض الكبريتيك والنيتريك والكحول ، وقاموا بعمليات التقطير والترشيح والتصعيد والتبلور والتكليس ، وهيأوا الأدوات والمختبرات اللازمة لهذه العمليات، ولازالت كثير من مصطلحاتهم تستعمل في الكيمياء المعاصرة، وقد بنى المسلمون صناعتهم على اكتشافاتهم العلمية مثل صناعة العقاقير وتنقية المعادن وصناعة الورق والأقمشة والزجاج ودبغ الجلود وصناعة العطور، واعتبر جابر بن حيان - (ت200هـ) - أكبر عالم في مجال التأليف والبحث في هـذا العلم.

أما في الطب فالعرب هـم أول من استخدم المخدر (المرقد) في الطب والعمليات الجراحية، مستخدمين الإسفنجة المخدرة من محلول الأفيون يستنشقها المريض. كما اكتشف الأطباء المسلمون العديد من الأمراض وشخصوها، فاكتشف ابن سينا المرض المعروف اليوم بالانكلستوما وهي الدودة التي وصفها بالمستديرة، واكتشف ابن النفيس - (ت686هـ) - الدورة الدموية الصغرى بعد تشريح القلب، كما ألف في علم التشريح كتابا، [ ص: 118 ] وبذلك استقل هـذا الفرع من العلوم الطبية. واهتم أبو القاسم الزهراوي - (ت404هـ) - بعلم الجراحة، ووصف أكثر من مائتي آلة جراحية مع صورها، وصار كتابه بعد ترجمته إلى اللاتينية يدرس في أوروبا خمسة قرون، واستعمل الزهراوي خيوط الحرير في خياطة العمليات الجراحية لأول مرة، كما كان الرازي قد استعمل الخيوط المصنوعة من أمعاء الحيوانات لأول مرة. وألف ابن الجزار القيرواني - (ت369هـ) - أول كتاب في طب الأطفال، وقد استمرت عنايتهم بطب الأطفال حتى وصلوا إلى تلقيحهم ضد الجدري الذي كان معروفا في المغرب العربي.

وعلى يد العرب استقل علم الصيدلة، وألحقوا الصيدلية بالمستشفى، وأجروا امتحانا للصيادلة منذ القرن الثالث الهجري، ونموا علم العقاقير بالتأليف في الأدوية المفردة والمركبة، وظلت كثير من الأسماء العربية للعقاقير تستعمل في اللغات الأخرى حتى الوقت الحاضر، وظلت مؤلفاتهم في الصيدلة يستفاد منها في أوروبا حتى أوائل القرن التاسع عشر.

ومن المهم الإحاطة بمدى انتشار الأطباء في المجتمع الإسلامي، فقد جرى امتحان لأطباء بغداد في خلافة المقتدر عام 513هـ، فأجيز ثمانمائة ونيف وستين طبيبا غير أطباء دار الخلافة المعروفين، وهو عدد كبير في ذلك العصر.

وقد أنشئت المستشفيات في الإسلام منذ خلافة الوليد بن عبد الملك - (86-96هـ) - بدمشق ، وكانت متخصصة بالأمراض المعدية لوقاية المجتمع ومساعدة العجزة والمرضى. ثم انتشرت المستشفيات في أرجاء العالم الإسلامي في العصر العباسي، واشتهر منها المستشفى العضدي ببغداد (371هـ) ، والمستشفى النوري بدمشق (549هـ) ، والمستشفى المنصوري بالقاهرة (683هـ) ، ومستشفى مراكش زمن دولة الموحدين. وكانت هـذه المستشفيات منظمة تنظيما يقرب من تنظيم المستشفيات في عصرنا، [ ص: 119 ] في حين كان أكبر مستشفى بباريس (أوتيل ديو) يبعث وصف توردو الفرنسي له سنة 1710م على التقزز والاشمئزاز.

وقد ألحق المسلمون المعاهد الطبية بالمستشفيات، مما نجم عنه تقدم الطب السريري (الإكلينيكي) ، وقد ذكر المستشرق الألماني ماكس ماير هـوف 43 مؤسسة طبية تعليمية مع المستشفيات المنتشرة من فارس إلى مراكش. إن الاعتراف العالمي بجهود المسلمين في الطب يظهر في الموسوعات العلمية وفي صورتي الرازي وابن سينا المعلقتين في كلية الطب بجامعة باريس، وفي إطلاق اسم الرازي على قاعة من أفخم قاعات جامعة برنستون الأمريكية.

أما في علوم الطبيعة (الفيزياء) فتظهر جهود ابن الهيثم (ت430هـ) في تطور علم البصريات وفيزيولوجية الأبصار، وكان بحثه في العدسات قد مهد لظهور العدسة المكبرة للمجهر والتلسكوب، وجهود البيروني في بيان أن سرعة الضوء أعظم بكثير من سرعة الصوت، وبحث المسلمون في الصوت وتموجاته في الأثير، وهو أساس اختراع الإذاعة المسموعة.

كما استنبط علماء العرب طرقا واخترعوا آلات تمكنوا بواسطتها من معرفة الوزن النوعي لعدد من المعادن والأحجار، وبحثوا في الضغط الجوي وعرفوا بأن الهواء كالماء يحدث ضغطا من أسفل إلى أعلى، مما مهد السبيل لاختراع البارومتر ومفرغات الهواء.

واهتموا بعلم الميكانيكا وأسموه " علم الحيل " ، ووصف ابن الجزري خمسين آلة ميكانيكية كالساعات المائية والنافورات، مع صورها بالألوان الجميلة، كما بحثوا في هـذا العلم نظريا مثل موضوعات القوة وأنواعها والحركة وقوانينها، وتصادم الأجسام وتساقطها، وطبيعة الزمان والمكان وقوة الجذب والجاذبية الأرضية، مما يقلب مفاهيمنا عن كثير من النظريات التي كانت تنسب إلى علماء الغرب.

واهتم العرب بعلم الظواهر الجوية وأسموه (علم الآثار العلوية) ، فبحثوا [ ص: 120 ] في حركة المد والجزر، وربطها أبو معشر الفلكي - (ت272هـ) - بطلوع القمر وغيابه. ورسموا خرائط توضيحية للمد والجزر على الكرة الأرضية منذ القرن الخامس الهجري. ووضع النيريزي - (ت310هـ) - رسالة في آلات لمقياس ارتفاع الغيوم والأبخرة، وصحح إبراهيم بن سنان بن ثابت بن قرة - (ت335هـ) - آراء أرسطو في تعليل الظواهر الجوية، ورفض التعصب الأعمى لآرائه من قبل معاصريه، كما رفض التأثر بالخرافات السائدة عند اليونان، والتي تأثر بها أرسطو في تعليله، واعتمد التجربة في ردوده على أرسطو. كما علل كمال الدين حسن الفارسي - (القرن السابع) - ظاهرة قوس قزح تعليلا صحيحا.

واهتم العرب بعلم الحيوان والنبات وصنفوا في أنواعها وصفاتها، ونشأ عندهم علم البيطرة، وعلم الفلاحة، فصنفوا في ذلك كله منذ القرن الثالث الهجري، وقد ظهر تأثير دراساتهم على نظام الري المعقد في العصر العباسي، والذي ضم مائة ألف قناة للري، كما ظهر على المستوى الراقي للحدائق والبساتين وخاصة في الأندلس

[4]

وهكذا يتبين أن المجتمع العربي الإسلامي كان بحق أرقى المجتمعات البشرية في القرون الخمسة الأولى للهجرة، وأن المسلمين أمسكوا بزمام الحضارة العالمية، وأضافوا مبتكراتهم الجليلة عدة قرون، وكانوا بحق آباءا للعلوم والتقنية الغربية، مهما حاول البعض طمس هـذه الحقيقة والزعم بأن النهضة الأوروبية بنيت على تراث اليونان مباشرة دون وساطة [ ص: 121 ] العرب وإضافاتهم الكبيرة، فالدراسات الحديثة الجادة تؤكد أن أوروبا في عصر النهضة اعتمدت على ترجمة المؤلفات العربية ودرستها في جامعاتها عدة قرون، وطبعت منها بعد اختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي عشرات الطبعات في سنين قليلة (طبع كتاب " القانون " لابن سينا خمس عشرة مرة خلال ثلثمائة وست وعشرين سنة " 1174-1500م " وطبع كتاب " الحاوي " في الطب للرازي مرارا وتكرارا حتى القرن الثامن عشر بعد ترجمته إلى اللاتينية سنة 1279م في صقلية، وثمة مؤلفات أساسية عديدة ترجمت في القرن العاشر والحادي عشر، وظلت متداولة في الجامعات ولدى العلماء قرونا طويلة) . ومن هـنا قال د. فؤاد سزكين : " كلما أمعن الإنسان في دراسة المصادر الأصلية للنهضة الأوروبية ازداد تصوره أن هـذه النهضة المزعومة أشبه ما تكون بالولد الذي نسب إلى غير أبيه الحقيقي " [5]

وسوف يكشف المستقبل جوانب جديدة من إضافات المسلمين إلى الحضارة وتأثيرهم في الحضارة الغربية المعاصرة. يقول د. فؤاد سزكين : " ولقد توصلت خلال دراستي لتاريخ العلوم أن قضية أخذ اللاتينيين عن العالم الإسلامي أعظم من أن تستطيع تبيانها جماعة كبيرة من العلماء في عشرات السنين " [6] .

ومن ثم فإن ما جرى على الموسوعة البريطانية من تنقيح بعد الطبعة الحادية عشرة [7] . بحذف ما له علاقة بتقدم المسلمين في العلوم لن يغير الحقيقة التاريخية التي اعترف بها كبار علماء الغرب، بل إن بعضهم أدرك [ ص: 122 ] سر النهضة الحضارية لدى المسلمين وارتباطها بالعقيدة الإسلامية. " إن وحدة العقيدة الدينية في العالم الإسلامي أقوى تأثيرا منها في العالم المسيحي. وكان الأمر بنشر القرآن بلغته الأصلية العربية وحدها، مما جعل لها وللتعاليم القرآنية سيادة مطلقة في العالم الإسلامي كله، فكان ذلك في مقدمة العوامل التي أدت إلى ابتداع كثير من الفنون وازدهارها " [8]

ومن الواضح أن التوجيه القرآني له أثر عميق في اهتمام المسلمين بالكون المادي ودراسته، وفي استخدام المنهج التجريبي، وفي الأمانة العلمية التي تحكم دراستهم لأمور الدين والدنيا، فلا مكان في الإسلام للمجازفة والتقول دون علم ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) [الإسراء:36].

إن المطلوب هـو الإرتفاع بمستوى الوعي العام للأمة، بأن تقوم النخبة بالارتفاع بمستواها الديني والعلمي والتقني بدافع من العقيدة الدينية، ثم تحويل ذلك إلى تيار متدفق لغرس الوعي العام وسط الجماهير.

إن إطلاق طاقات الأمة الكامنة ينبغي أن يسبقه إطلاق طاقات النخبة على صعيد الأفراد والجماعات. إن معرفة طاقات الإنسان الروحية والعقلية والبيولوجية لا تكفي، بل ينبغي أن تتم الإفادة من هـذه الطاقات بنسب عالية، وإن العقيدة الدينية هـي أعظم ما يكفل هـذا التفجير.

إن حادثة سارية الجبل [9] التي وقعت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، هـي واحدة من مئات الأحداث التي تمثل تفجر الطاقة النفسية عند العرب، بعد أن لامست العقيدة الدينية شغاف قلوبهم، وإن أحداث التاريخ في عصر السيرة والراشدين مليء [ ص: 123 ] بالأمثلة على التخاطر على بعد، والبركة في الطعام والماء وخرق العادات، مما دخل تحت أبواب المعجزات والكرامات، وإن إعادة التجربة الروحية كفيل بزيادة الوعي الإنساني وتفجير الطاقات الخفية للإنسان.

وإن محاولة المسلمين الطفرة الحضارية للحاق بالسباق العالمي لا تتم إلا بطاقة روحية هـائلة تعوض فترة الركود الحضاري التي امتدت قرونا في تاريخهم الأخير.

ولعل الدراسات السيكولوجية المعاصرة قد نبهت المتعلمين المسلمين إلى خطأ استحيائهم من الاعتراف بالكرامات والمعجزات، فالعلم لم يعد ينكر " خرق العادة " و " التخاطر على بعد " [10] . بعد أن تجاوز مرحلة الصرامة العقلية والجمود المادي.

وعندما استثيرت طاقات الأمة الروحية في العصر الحديث ولو بصورة محدودة ولدت آثارا عالية في تجارب الجهاد والصمود في فلسطين وأفغانستان ، مما يعطي مؤشرا واضحا على الطريقة الصحيحة لانبعاث أمة الإسلام على أساس يجمع بين الروح والعقل.

إن تقويم تجربة الغرب الحضارية منذ عصر النهضة حتى العصر الحديث، والتي اعتمدت على العقل المجرد للإنسان - لأسباب تاريخية ولدت التناقض مع الدين - تفيد عظم الخسارة التي حلت بالإنسان عندما " أوصد عالم الروح منذ قام عهد العقل على هـذا الشكل، فخسرت الحضارة الغربية والإنسان الغربي حضارات روحية عظيمة " كما يقول المفكر الفرنسي أندريه روسو [11] . [ ص: 124 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية