الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          حقوق الإنسان في ضوء الحديث النبوي

          الأستاذ / يسري محمد أرشد

          - ابتعاد الواقع عن مقاصد النص الديني

          إن الأديان السماوية أعلنت أكثر من واجب تأدية الحقوق وإنصاف الإنسان للإنسان. لقد استصرخته لكي يعطي كل ذي حق حقه، بل دعته إلى أن يكون محسنا بارا بأخيه الإنسان، يؤثره على نفسه ويضحي لإنقاذه من البؤس والتعاسة.

          ولكن هـذه التعاليم السامية ظلت كأنها مثالية بعيدة المنال، لتجردها روحيا واتصالها بالضمير الديني الحي، الذي أصبح نادرا في هـذا العصر المادي، ولبعدها عن واقع الناس اليوم. إذ هـي ليست قانونا وضعيا مفروضا كما هـو شأن القوانين المدنية الملزمة.

          فعلى سبيل المثال، فإن الديانة اليهودية، لا تتصف في واقعها التطبيقي بالشـمول، لأنها كانت ديانة يؤمن أهلها بالقومية القائمة على العنصرية، ولا يبيحون التعاون إلا مع من يؤمن بالتوراة. [ ص: 45 ] وأما المسيحية فإنها وإن جاءت بالمحبة ودعت إلى التعاون، فإنها لم تبين مدى استجابتها لحقوق الإنسان وكل ميادين الحياة.

          وإذا كنا نتحدث عن الإسلام، من واقع نصوصه الأساسية الأصلية التي هـي القرآن والسنة، فإن هـناك أدلة لا حصر لها -ومنها ما يظهر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وممارساته الشخصية والاجتماعية والسياسية- تؤكد مفهوم احترام الإنسان من حيث هـو إنسان، بصرف النظر عن عقيدته أو لونه أو جنسيته، والنصوص متفقة على أن الإسلام يوجب التقيد بهذا المبدأ ويستند إلى الإلزامية والقوة التنفيذية في فرض احترامه.

          وإذا تجاوزنا مسألة النصوص الأساسية وما قررته من مبادئ مثالية إلى الحياة الاجتماعية والممارسات السياسية التاريخية في المجتمعات الإسلامية، فقد لا نجد صورة حقوق الإنسان تماما على هـذا المستوى الذي نجده في النصوص. إنه دائما الفارق بين المثال والواقع، وهو فارق موجود دائما في كل الثقافات، بل في كل الحضارات.

          التقارير المقدمة لهيئة الأمم المتحدة من وكالاتها وتلك التي تنشرها المنظمات والجمعيات الدولية، تفيد أن انتهاك حقوق الإنسـان قائم في العالم-سـواء كان ذلك في المجتمعات الإسـلامية أو غير الإسـلامية- إما بصورة قصدية وإما نتيجة لإهمال في المراقبة من قبل الدولة، هـذا فضلا عن القوانين التي تصدرها الأنظمة الحاكمة، التي تلغي بموجبها الضمانات الأساسية لحرية الفرد وحقوقه فيتم إيقاف المواطنين بالمئات، إن لم يكن [ ص: 46 ] بالآلاف، ويخضعون لكافة أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، ويحرمون من أبسط الحقوق، ولا يقدمون للمحاكمة، وتمر عليهم سنوات دون أن يعرف عنهم شيء، فيعتبرون بمثابة المفقودين.

          هذه المسـافة بين المثال الذي تطرحه النصوص، دينية كانت أم دنيوية، وبين الواقع الفعلي هـو المحور الذي نسعى للدوران حوله في هـذه الدراسة [1] . وإذا كانت الدراسة تركز على الحالة الإسلامية فليس معنى ذلك أنها حالة فريدة أو شاذة، بل هـي مثال ونموذج متكرر لأزمة الوجود الإنساني حتى في يومنا هـذا، أزمـة الانفصام بين المثال الروحي المتعالي والواقع المادي الغليظ. [ ص: 47 ] والدراسة في سعيها لتحليل الحالة الإسلامية، من خلال الحديث النبوي، تهدف إلى تعميق الوعي بالأزمة تمهيدا للوصول إلى سبيل لحلها، بدلا من تبادل الاتهامات، الذي يعمق الأزمة ذاتـها عن طريق تسطيح الوعي بها.. وتهدف الدراسة إلى تقديم تصور لضمان تنفيذ حقوق الإنسان ومعالجتها في العالم. ذلك أن الإسلام من بين الأديان كلها هـو الدين الأخير الذي يعترف بكل الأديان السابقة ويحترم معتنقيها المخلصين، ويمنحهم كل الحقوق الإنسـانية بشرط واحـد، هـو أن يحترموا الإسـلام ولا يحاربوا معتنقيه أو يساعدوا أعداءهم عليهم.

          ويكفي الإسلام عظمة أنه أسس لهذه الحقوق، وعززها، وساندها، وبوأ الإنسان مكانة سامية بين بقية المخلوقات، باعتباره الكائن الذي اختصه الله بالوعي. [ ص: 48 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية