الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المطلب الثالث: حماية العقل

          اختلف الناس في العقل، فقيل: هـو العلم، وقيل: بعض العلوم الضرورية، وقيل: قوة يميز بها بين حقائق المعلومات. قال الشوكاني : إن العقل أمر واجب وحق من حقوق الضروريات الداعية إلى الاهتمام بالمحافظة عليه، مما يؤدي إلى استقرار الدين والنفس على حد سواء؛ لأن العقل هـو قوام كل فعل تتعلق به مصلحة، فاختلاله يفضي إلى مفاسد عظيمة [1] .

          لسلامة العقل وظيفة مزدوجة، فهي تعني سلامة الجسد، حيث إن العقل جزء مادي من الجسد، كما أن سلامة العقل تعني سلامة الأداة التي يتدبر بها الإنسان أموره في المحافظة على نفسه ككل، هـذا إضافة إلى أن العقل أداة التفكير والإبداع والمعتقد. ( قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس رضي الله عنه : «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم [2] والأناة [3] ) [4] . ( وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم [ ص: 70 ] شيء ) [5] .. في هـذا الحديث دعوة إلى التفكير المبدع الذي يسن سنة حسنة أي أن يبتكر شيئا جديدا فيه نفع وخير للناس.

          وكل ما حكم به العقل السليم حكم به الشرع الصحيح، فالعقل رسول في الباطن والشرع عقل في الظاهر، فإذا أدرك العقل أن العدل حسن والظلم قبيح، حكم الشرع بأن العدل محبوب لله والظلم مكروه له [6] . وقد أشار إلى ذلك حديث: «الحلال بين والحرام بين ... » [7] .

          هكذا، يتبين بجلاء أن حماية العقل أمر واجب وحق من حقوق الضروريات الداعية إلى الاهتمام بالمحافظة عليه، مما يؤدي إلى استقرار الدين والنفس على حد سواء، لأن العقل هـو مقام كل فعل تتعلق به مصلحة، فاختلاله يفضي إلى مفاسد عظيمة، ولهذا يقول الإمام الشافعي ، رحمه الله،: « إن إذهاب العقل محرم» [8] .

          وفي حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، تنويه بأهمية الارتباط الوثيق بين العقل والدين والحياة، حيث ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) [9] . [ ص: 71 ] لهذا عنى الإسلام بإزالة العوائق التي تكبل العقل وتعوقه عن التفكير السليم والتعلم كشرب الخمر والمخدرات وما شاكل ذلك من أنواع المسكرات. ( فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت عمر رضي الله عنهم على منبر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أما بعد، أيها الناس: إنه نـزل تحريم الخمر، وهي من خمسة: من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير.. والخمر ما خامر العقل ) [10] .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية