الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
287 205 - (285) - (1 \ 40 - 41) عن محمد بن سيرين، قال: نبئت عن أبي العجفاء السلمي، قال: سمعت عمر يقول: ألا لا تغلوا صدق النساء، ألا لا تغلوا صدق النساء، قال: فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية، وإن الرجل ليبتلى بصدقة امرأته - وقال مرة: وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته - حتى تكون لها عداوة في نفسه، وحتى يقول: كلفت إليك علق القربة. قال: وكنت غلاما عربيا مولدا لم أدر ما علق القربة.

قال: وأخرى تقولونها لمن قتل في مغازيكم أو مات: قتل فلان شهيدا، ومات فلان شهيدا، ولعله أن يكون قد أوقر عجز دابته، أو دف راحلته ذهبا، أو ورقا يلتمس التجارة، لا تقولوا ذاكم، ولكن قولوا كما قال النبي، أو كما قال محمد صلى الله عليه وسلم: " من قتل أو مات في سبيل الله، فهو في الجنة "


التالي السابق


* قوله: "ألا لا تغلوا" : هو من الغلو، وهو مجاوزة الحد في كل شيء، يقال: غلوت في الشيء، وغاليت فيه: إذا جاوزت فيه الحد.

* "صدق النساء" : - بضمتين - : مهورهن، ونصبه بنزع الخافض; أي: لا تبالغوا في كثرة الصداق.

* "مكرمة" : - بفتح ميم وضم راء - بمعنى: الكرامة.

* "ما أصدق" : يقال: أصدق المرأة: إذا سمى صداقها أو أعطاها.

[ ص: 178 ] * "ولا أصدقت" : على بناء المفعول، والمعنى: أنه إذا كان يتولى تقدير الصداق، فلا يزيد على هذا القدر، فلا يرد زيادة مهر أم حبيبة; لأن ذاك قد قرره النجاشي، وأعطاه من عنده، وقد جاء أنه كان يزيد عليه نشا; أي: نصف أوقية، وكأنه ترك; لكونه كسرا.

* "بصدقة" : - بفتح صاد وضم دال - ; أي: بكثرتها.

* "ليغلي" : من أغلى، هكذا في النسخ، والوجه يغلو; لكونه من الغلو كما تقدم.

* "حتى يكون لها عداوة في نفسه" : أي: حتى يعاديها في نفسه عند أداء ذلك المهر; لثقله عليه حينئذ، أو عند ملاحظة قدره، وتفكر فيه بالتفصيل.

* "كلفت" : من كلف - بكسر اللام - : إذا تحمل.

* "علق القربة" : - بفتحتين - : حبل تعلق به; أي: تحملت لأجلك كل شيء حتى علق القربة.

* "ما علق القربة" : لغرابته.

* "وأخرى" : أي: وكلمة أخرى مكروهة كالمغالاة في المهر.

* "أو مات" : عطف على "قتل".

* "فلان شهيد" : بدل من أخرى، أو من ضمير يقولونها.

* "قد أوقر" الوقر - بالكسر - : الحمل، وأكثر ما يستعمل في حمل البغل والحمار.

* "أو دف" : دف الرحل - بالدال المهملة والفاء المشددة - : جانب كور البعير، وهو سرجه.

[ ص: 179 ] * "يلتمس التجارة" : أي: فمن خرج للتجارة، فليس بشهيد.

وفي "المقاصد الحسنة": روى أبو يعلى في "مسنده الكبير": أنه لما نهى عن إكثار المهر بالوجه المذكور، اعترضته امرأة من قريش، فقالت له: "يا أمير المؤمنين! نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربع مئة درهم؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول: وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا [النساء: 20]؟ قال: فقال: "اللهم غفرا، كل الناس أفقه من عمر"، ثم رجع فركب المنبر، فقال: "إني نهيت أن تزيدوا في المهر على أربع مئة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، أو فمن طابت نفسه فليفعل"، وسنده جيد.

ورواه البيهقي في "سننه"، ولفظه: فقالت امرأة من قريش: "يا أمير المؤمنين! أكتاب الله أحق أن يتبع أو قولك؟ قال: بل كتاب الله، فما ذاك؟ قالت: نهيت الرجال عن الزيادة في المهر، والله تعالى يقول في كتابه: وآتيتم إحداهن [النساء: 20] الآية، فقال عمر: "كل أحد أفقه من عمر، مرتين أو ثلاثا"، ثم رجع إلى المنبر، فقال، الحديث.

ورواه عبد الرزاق، ولفظه: فقامت امرأة فقالت له: ليس ذاك لك يا عمر، إن الله تعالى يقول: وآتيتم إحداهن [النساء: 20]. . . إلخ، فقال: "إن امرأة خاصمت عمر فخصمته".

[ ص: 180 ] في رواية: "امرأة أصابت ورجل أخطأ"، انتهى.

* * *




الخدمات العلمية