الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الحادي عشر: وهو أن يقول: هذا الذي عارضتموني به في مسألة الزمان، أكثر ما يوجب علي أن أقول بالجهة، والقول بالجهة هو قول أئمة الفلاسفة، كما ذكرناه فيما مضى، عن القاضي أبي الوليد بن رشد الفيلسوف، الذي هو من أتبع الناس لأقوال أرسطو وذويه، وأنه قال: «القول في الجهة، وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه وتعالى حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشعرية، كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله» قال: «وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة مثل قوله: الرحمن على العرش استوى [طه: 5] ومثل قوله: [ ص: 404 ] وسع كرسيه السماوات والأرض [البقرة: 255] ومثل قوله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية [الحاقة: 17] ومثل قوله: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة [السجدة: 5] ومثل قوله: تعرج الملائكة والروح إليه [المعارج: 4] ومثل قوله: أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ( [الملك: 16] إلى غير ذلك من الآيات، التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولا، وإن قيل فيها: إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابها، لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله تعالى في السماء، وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأن من السماء نزلت الكتب، وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم، حتى قرب من سدرة المنتهى» قال: «وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله تعالى والملائكة في السماء، كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك، والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها، هو أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة [ ص: 405 ] يوجب إثبات المكان، وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية».

وقد تقدم ذكرنا لبقية كلامه بألفاظه، وأنه قرر أن ما فوق العالم -وهو الجهة- ليس مكانا على اصطلاح الفلاسفة، إذ المكان عند «أرسطو» هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المحوي، إلى أن قال: «وقد قيل في الآراء السالفة القديمة والشرائع الغابرة: إن ذلك الموضع هو مسكن الروحانيين، يريدون الله والملائكة» إلى أن قال: «فقد ظهر من هذا أن إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل، وأنه الذي جاء به الشرع، وابتنى عليه، فإن إبطال هذه القاعدة إبطال للشرائع» فقد حكى اتفاق الحكماء على إثبات الجهة. قال: «وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله تعالى في السماء... وأن ما قيل في الآراء السالفة والشرائع الغابرة: إن ذلك الموضع -يعني ما فوق العالم- هو مسكن [ ص: 406 ] الروحانيين، يريدون الله تعالى والملائكة» وتصريحهم في هذا بلفظ المسكن يشبه ما ذكره الأشعري «أن المسلمين جميعا إذا نابتهم نائبة يقولون: «يا ساكن العرش».

فقد ظهر بهذا أنما ذكره من التناقض على المجسمة والفلاسفة، لا يرد على واحدة منهما، بل يمكنهم نفي هذا التناقض.

التالي السابق


الخدمات العلمية