الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : قال الشافعي - رحمة الله عليه - : إذا أسلم الكافر وتحته أختان اختار أيتهما شاء وفارق الأخرى ، وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : إن كان قد تزوج بهما دفعة واحدة فرق بينه وبينهما ، وإن كان قد [ ص: 32 ] تزوج بإحداهما أولا وبالأخرى ثانيا ، اختار الأولى وفارق الثانية ، واحتج أبو بكر الرازي لأبي حنيفة بقوله : ( وأن تجمعوا بين الأختين ) قال : هذا خطاب عام فيتناول المؤمن والكافر ، وإذا ثبت أنه تناول الكافر وجب أن يكون النكاح فاسدا ؛ لأن النهي يدل على الفساد ، فيقال له : إنك بنيت هذا الاستدلال على أن الكفار مخاطبون بفروع الشرائع وعلى أن النهي يدل على الفساد ، وأبو حنيفة لا يقول بواحد من هذين الأصلين ، فإن قال : فهما صحيحان على قولكم ؛ فكان هذا الاستدلال لازما عليكم ، فنقول : قولنا : الكفار مخاطبون بفروع الشرائع ، لا نعني به في أحكام الدنيا ، فإنه ما دام كافرا لا يمكن تكليفه بفروع الإسلام ، وإذا أسلم سقط عنه كل ما مضى بالإجماع ، بل المراد منه أحكام الآخرة ، وهو أن الكافر يعاقب بترك فروع الإسلام كما يعاقب على ترك الإسلام ، إذا عرفت هذا فنقول : أجمعنا على أنه لو تزوج الكافر بغير ولي ولا شهود ، أو تزوج بها على سبيل القهر ، فبعد الإسلام يقر ذلك النكاح في حقه، فثبت أن الخطاب بفروع الشرائع لا يظهر أثره في الأحكام الدنيوية في حق الكافر ، وحجة الشافعي : أن فيروز الديلمي أسلم على ثمان نسوة ، فقال عليه الصلاة والسلام : " اختر أربعا وفارق سائرهن " خيره بينهن ، وذلك ينافي ما ذكرتم من الترتيب ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : قوله تعالى : ( إلا ما قد سلف ) فيه الإشكال المشهور : وهو أن تقدير الآية حرمت عليكم أمهاتكم وكذا وكذا إلا ما قد سلف ، وهذا يقتضي استثناء الماضي من المستقبل ، وإنه لا يجوز ، وجوابه بالوجوه المذكورة في قوله : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ) [ النساء : 22 ] والمعنى أن ما مضى مغفور بدليل قوله : ( إن الله كان غفورا رحيما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية