الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : في هذه الآية قولان : أحدهما : وهو قول أكثر علماء الأمة أن قوله : ( أن تبتغوا بأموالكم ) المراد منه ابتغاء النساء بالأموال على طريق النكاح ، وقوله : ( فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ) فإن استمتع بالدخول بها آتاها المهر بالتمام ، وإن استمتع بعقد النكاح آتاها نصف المهر .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : أن المراد بهذه الآية حكم المتعة ، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها ، واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام ، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة في عمرته تزين نساء مكة ، فشكا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم طول العزوبة ، فقال : استمتعوا من هذه النساء ، واختلفوا في أنها هل نسخت أم لا ؟ فذهب السواد الأعظم من الأمة إلى أنها صارت منسوخة ، وقال السواد منهم : إنها بقيت مباحة كما كانت ، وهذا القول مروي عن ابن عباس وعمران بن الحصين ، أما ابن عباس فعنه ثلاث روايات : إحداها : القول بالإباحة المطلقة ، قال عمارة : سألت ابن عباس عن المتعة : أسفاح هي أم نكاح ؟ قال : لا سفاح ولا نكاح ، قلت : فما هي ؟ قال : هي متعة كما قال تعالى ، قلت : هل لها عدة ؟ قال نعم عدتها حيضة ، قلت : هل يتوارثان ؟ قال : لا .

                                                                                                                                                                                                                                            والرواية الثانية عنه : أن الناس لما ذكروا الأشعار في فتيا ابن عباس في المتعة قال ابن عباس : قاتلهم الله إني ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق ، لكني قلت : إنها تحل للمضطر كما تحل الميتة والدم ولحم الخنزير له .

                                                                                                                                                                                                                                            والرواية الثالثة : أنه أقر بأنها صارت منسوخة . روى عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله : ( فما استمتعتم به منهن ) قال : صارت هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : ( ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) [ الطلاق : 1 ] وروي أيضا أنه قال عند موته : اللهم إني أتوب إليك من قولي في المتعة والصرف ، وأما عمران بن الحصين فإنه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل بعدها آية تنسخها ، وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا بها ، ومات ولم ينهنا عنه ، ثم قال رجل برأيه ما شاء . وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، فالشيعة يروون عنه إباحة المتعة ، وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال : لولا أن عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلا شقي ، وروى محمد بن علي المشهور بمحمد ابن الحنفية : أن عليا - رضي الله عنه - مر بابن عباس وهو يفتي بجواز المتعة ، فقال أمير المؤمنين : إنه صلى الله عليه وسلم نهى عنها وعن لحوم الحمر الأهلية ، فهذا ما يتعلق بالروايات ، واحتج الجمهور على حرمة المتعة بوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الوطء لا يحل إلا في الزوجة أو المملوكة لقوله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم ) [ المؤمنون : 5 ، 6 ] ، وهذه المرأة لا شك أنها ليست مملوكة ، وليست أيضا زوجة ، ويدل عليه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما لقوله تعالى : ( ولكم نصف ما ترك أزواجكم ) [ النساء : 12 ] وبالاتفاق لا توارث بينهما .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : ولثبت النسب ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " الولد للفراش " ، وبالاتفاق لا يثبت .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : ولوجبت العدة عليها ، لقوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) [ البقرة : 234 ] واعلم أن هذه الحجة كلام حسن مقرر .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الثانية : ما روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال في خطبته : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد ، فالحال ههنا لا يخلو [ ص: 42 ] إما أن يقال : إنهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا ، أو كانوا عالمين بأنها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة ، أو ما عرفوا إباحتها ولا حرمتها فسكتوا لكونهم متوقفين في ذلك ، والأول هو المطلوب ، والثاني يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة ؛ لأن من علم أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بإباحة المتعة ، ثم قال : إنها محرمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر بالله ، ومن صدقه عليه مع علمه بكونه مخطئا كافرا ، كان كافرا أيضا ، وهذا يقتضي تكفير الأمة وهو على ضد قوله : ( كنتم خير أمة ) [ آل عمران : 110 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            والقسم الثالث : وهو أنهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا سكتوا ، فهذا أيضا باطل ؛ لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح ، واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حق الكل ، ومثل هذا يمنع أن يبقى مخفيا ، بل يجب أن يشتهر العلم به ، فكما أن الكل كانوا عارفين بأن النكاح مباح ، وأن إباحته غير منسوخة ، وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك ، ولما بطل هذان القسمان ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الإنكار على عمر - رضي الله عنه - ؛ لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخة في الإسلام .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : ما ذكرتم يبطل بما أنه روي أن عمر قال : لا أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته ، ولا شك أن الرجم غير جائز ، مع أن الصحابة ما أنكروا عليه حين ذكر ذلك ، فدل هذا على أنهم كانوا يسكتون عن الإنكار على الباطل .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : لعله كان يذكر ذلك على سبيل التهديد والزجر والسياسة ، ومثل هذه السياسات جائزة للإمام عند المصلحة ، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام قال : " من منع منا الزكاة فإنا آخذوها منه وشطر ماله " ثم إن أخذ شطر المال من مانع الزكاة غير جائز ، لكنه قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك للمبالغة في الزجر ، فكذا ههنا ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الثالثة على أن المتعة محرمة : ما روى مالك عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي : أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء وعن أكل لحوم الحمر الإنسية ، وروى الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال : غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قائم بين الركن والمقام مسند ظهره إلى الكعبة يقول : " يا أيها الناس إني أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء ، ألا وإن الله قد حرمها عليكم إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا " ، وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " متعة النساء حرام " ، وهذه الأخبار الثلاثة ذكرها الواحدي في البسيط ، وظاهر أن النكاح لا يسمى استمتاعا ؛ لأنا بينا أن الاستمتاع هو التلذذ ، ومجرد النكاح ليس كذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            أما القائلون بإباحة المتعة فقد احتجوا بوجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الأولى : التمسك بهذه الآية أعني قوله تعالى : ( أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن ) وفي الاستدلال بهذه الآية طريقان :

                                                                                                                                                                                                                                            الطريق الأولى : أن نقول : نكاح المتعة داخل في هذه الآية ، وذلك لأن قوله : ( أن تبتغوا بأموالكم ) يتناول من ابتغى بماله الاستمتاع بالمرأة على سبيل التأبيد ، ومن ابتغى بماله على سبيل التأقيت ، وإذا كان كل واحد من القسمين داخلا فيه كان قوله : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم ) يقتضي حل [ ص: 43 ] القسمين ، وذلك يقتضي حل المتعة .

                                                                                                                                                                                                                                            الطريق الثاني : أن نقول : هذه الآية مقصورة على بيان نكاح المتعة ، وبيانه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : ما روي أن أبي بن كعب كان يقرأ ( فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن ) وهذا أيضا هو قراءة ابن عباس ، والأمة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة ، فكان ذلك إجماعا من الأمة على صحة هذه القراءة ، وتقريره ما ذكرتموه في أن عمر - رضي الله عنه - لما منع من المتعة والصحابة ما أنكروا عليه كان ذلك إجماعا على صحة ما ذكرنا ، وكذا ههنا ، وإذا ثبت بالإجماع صحة هذه القراءة ثبت المطلوب .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن المذكور في الآية إنما هو مجرد الابتغاء بالمال ، ثم إنه تعالى أمر بإيتائهن أجورهن بعد الاستمتاع بهن ، وذلك يدل على أن مجرد الابتغاء بالمال يجوز الوطء ، ومجرد الابتغاء بالمال لا يكون إلا في نكاح المتعة ، فأما في النكاح المطلق فهناك الحل إنما يحصل بالعقد ، ومع الولي والشهود ، ومجرد الابتغاء بالمال لا يفيد الحل ، فدل هذا على أن هذه الآية مخصوصة بالمتعة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن في هذه الآية أوجب إيتاء الأجور بمجرد الاستمتاع ، والاستمتاع عبارة عن التلذذ والانتفاع ، فأما في النكاح فإيتاء الأجور لا يجب على الاستمتاع البتة ، بل على النكاح ، ألا ترى أن بمجرد النكاح يلزم نصف المهر ؟ فظاهر أن النكاح لا يسمى استمتاعا ، لأنا بينا أن الاستمتاع هو التلذذ ، ومجرد النكاح ليس كذلك .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أنا لو حملنا هذه الآية على حكم النكاح لزم تكرار بيان حكم النكاح في السورة الواحدة ؛ لأنه تعالى قال في أول هذه السورة : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ) [ النساء : 3 ] ثم قال : ( وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ) [ النساء : 4 ] أما لو حملنا هذه الآية على بيان نكاح المتعة كان هذا حكما جديدا ، فكان حمل الآية عليه أولى ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الثانية على جواز نكاح المتعة : أن الأمة مجمعة على أن نكاح المتعة كان جائزا في الإسلام ، ولا خلاف بين أحد من الأمة فيه ، إنما الخلاف في طريان الناسخ ، فنقول : لو كان الناسخ موجودا لكان ذلك الناسخ إما أن يكون معلوما بالتواتر ، أو بالآحاد ، فإن كان معلوما بالتواتر ، كان علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعمران بن الحصين منكرين لما عرف ثبوته بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك يوجب تكفيرهم ، وهو باطل قطعا ، وإن كان ثابتا بالآحاد فهذا أيضا باطل ؛ لأنه لما كان ثبوت إباحة المتعة معلوما بالإجماع والتواتر ، كان ثبوته معلوما قطعا ، فلو نسخناه بخبر الواحد لزم جعل المظنون رافعا للمقطوع وإنه باطل . قالوا : ومما يدل أيضا على بطلان القول بهذا النسخ أن أكثر الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، وأكثر الروايات أنه عليه الصلاة والسلام أباح المتعة في حجة الوداع وفي يوم الفتح ، وهذان اليومان متأخران عن يوم خيبر ، وذلك يدل على فساد ما روي أنه عليه السلام نسخ المتعة يوم خيبر ؛ لأن الناسخ يمتنع تقدمه على المنسوخ ، وقول من يقول : إنه حصل التحليل مرارا والنسخ مرارا ضعيف ، لم يقل به أحد من المعتبرين ، إلا الذين أرادوا إزالة التناقض عن هذه الروايات .

                                                                                                                                                                                                                                            الحجة الثالثة : ما روي أن عمر - رضي الله عنه - قال على المنبر : متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا أنهى عنهما : متعة الحج ، ومتعة النكاح ، وهذا منه تنصيص على أن متعة النكاح كانت موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقوله : وأنا أنهى عنهما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما نسخه ، وإنما عمر هو الذي نسخه ، وإذا ثبت هذا فنقول : هذا الكلام يدل على أن حل المتعة كان ثابتا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه عليه السلام ما نسخه ، وأنه ليس ناسخ إلا نسخ عمر ، وإذا ثبت هذا وجب أن لا يصير منسوخا ؛ لأن ما كان ثابتا في [ ص: 44 ] زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وما نسخه الرسول يمتنع أن يصير منسوخا بنسخ عمر ، وهذا هو الحجة التي احتج بها عمران بن الحصين حيث قال : إن الله أنزل في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى ، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتعة وما نهانا عنها ، ثم قال رجل برأيه ما شاء ، يريد أن عمر نهى عنها ، فهذا جملة وجوه القائلين بجواز المتعة .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب عن الوجه الأول أن نقول : هذه الآية مشتملة على أن المراد منها نكاح المتعة وبيانه من ثلاثة أوجه : الأول : أنه تعالى ذكر المحرمات بالنكاح أولا في قوله : ( حرمت عليكم أمهاتكم ) ثم قال في آخر الآية : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) فكان المراد بهذا التحليل ما هو المراد هناك بهذا التحريم ، لكن المراد هناك بالتحريم هو النكاح ، فالمراد بالتحليل ههنا أيضا يجب أن يكون هو النكاح . الثاني : أنه قال : ( محصنين ) والإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح . والثالث : قوله : ( غير مسافحين ) سمى الزنا سفاحا لأنه لا مقصود فيه إلا سفح الماء ، ولا يطلب فيه الولد وسائر مصالح النكاح ، والمتعة لا يراد منها إلا سفح الماء فكان سفاحا ، هذا ما قاله أبو بكر الرازي . أما الذي ذكره في الوجه الأول : فكأنه تعالى ذكر أصناف من يحرم على الإنسان وطؤهن ، ثم قال : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) أي : وأحل لكم وطء ما وراء هذه الأصناف ، فأي فساد في هذا الكلام ؟ وأما قوله ثانيا : الإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح فلم يذكر عليه دليلا ، وأما قوله ثالثا : الزنا إنما سمي سفاحا ؛ لأنه لا يراد منه إلا سفح الماء ، والمتعة ليست كذلك ، فإن المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع مأذون فيه من قبل الله ، فإن قلتم : المتعة محرمة ، فنقول : هذا أول البحث ، فلم قلتم : إن الأمر كذلك ؟ فظهر أن الكلام رخو ، والذي يجب أن يعتمد عليه في هذا الباب أن نقول : إنا لا ننكر أن المتعة كانت مباحة ، إنما الذي نقوله : إنها صارت منسوخة ، وعلى هذا التقدير فلو كانت هذه الآية دالة على أنها مشروعة لم يكن ذلك قادحا في غرضنا ، وهذا هو الجواب أيضا عن تمسكهم بقراءة أبي وابن عباس ، فإن تلك القراءة بتقدير ثبوتها لا تدل إلا على أن المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع فيه ، إنما الذي نقوله : إن النسخ طرأ عليه ، وما ذكرتم من الدلائل لا يدفع قولنا .

                                                                                                                                                                                                                                            وقولهم : الناسخ إما أن يكون متواترا أو آحادا .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : لعل بعضهم سمعه ثم نسيه ، ثم إن عمر - رضي الله عنه - لما ذكر ذلك في الجمع العظيم تذكروه وعرفوا صدقه فيه فسلموا الأمر له .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله : إن عمر أضاف النهي عن المتعة إلى نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : قد بينا أنه لو كان مراده أن المتعة كانت مباحة في شرع محمد صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنه لزم تكفيره وتكفير كل من لم يحاربه وينازعه ، ويفضي ذلك إلى تكفير أمير المؤمنين حيث لم يحاربه ولم يرد ذلك القول عليه ، وكل ذلك باطل ، فلم يبق إلا أن يقال : كان مراده أن المتعة كانت مباحة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنا أنهى عنها لما ثبت عندي أنه صلى الله عليه وسلم نسخها ، وعلى هذا التقدير يصير هذا الكلام حجة لنا في مطلوبنا ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( فآتوهن أجورهن فريضة ) والمعنى أن إيتاءهن أجورهن ومهورهن فريضة لازمة وواجبة ، وذكر صاحب " الكشاف " في قوله : ( فريضة ) ثلاثة أوجه : أحدها : أنه حال من الأجور بمعنى مفروضة . وثانيها : أنها وضعت موضع إيتاء ، لأن الإيتاء مفروض . وثالثها : أنه مصدر مؤكد ، أي : فرض ذلك فريضة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية