الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        من أتى القاضي مستعديا على خصم ليحضره ، فلخصمه حالان .

                                                                                                                                                                        الأولى : أن يكون بالبلد وظاهرا يمكن إحضاره ، فيجب إحضاره ، وقال ابن سريج : يحضر ذوي المروءات في داره لا في مجلسه ، والصحيح أنه لا فرق . ثم الإحضار قد يكون بختم من طين رطب أو غيره يدفعه إلى المدعي ، ليعرضه على الخصم . وليكن مكتوبا عليه : أجب القاضي فلانا ، وقد يكون بشخص من الأعوان المرتبين على باب القاضي ، وتكون مؤنته على الطالب إن لم يكن لهم رزق من بيت المال ، وإن بعث الختم ، فلم يجب ، بعث إليه العون ، وإن ثبت عند القاضي امتناعه بلا عذر ، أو ثبت سواد به بكسر الختم ونحوه ، استعان على إحضاره بأعوان [ ص: 195 ] السلطان ، فإذا حضر عزره بما يراه ، وتكون مؤنة المحضر والحالة هذه على المطلوب ، لامتناعه . وقيل : على المدعي ، والصحيح الأول ، فإن اختفى بعث من ينادي على باب داره أنه إن لم يحضر إلى ثلاث سمر باب داره ، أو ختم عليه ، فإن لم يحضر بعد الثلاث ، وسأل المدعي التسمير أو الختم ، أجابه إليه ، وينبغي أن يتقرر عنده أن الدار داره ، وإذا عرف له موضع قال ابن القاص : يبعث القاضي جماعة من النسوة والصبيان والخصيان يهجمون عليه على هذا الترتيب ، ويفتشون .

                                                                                                                                                                        ومتى كان للمطلوب عذر مانع من الحضور ، لم يكلف ، بل يبعث إليه من يحكم بينه وبين خصمه ، أو يأمره بنصب وكيل ليخاصم عنه ، فإن وجب تحليفه ، بعث إليه من يحلفه ، والعذر كالمرض ، أو حبس ظالم ، أو الخوف منه ، وفي المرأة المخدرة خلاف سيأتي - إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        الحالة الثانية : أن يكون خارج البلد ، فينظر إن كان خارجا عن محل ولاية القاضي لم يكن له أن يحضره ، وإن كان فيها ، فإن كان له في ذلك الموضع نائب ، لم يحضره ، بل يسمع البينة ويكتب إليه ، هذا هو الصحيح ، وقيل : يلزم إحضاره إذا طلب الخصم ، وقيل : يتخير بين الأمرين ، ذكره السرخسي في " الأمالي " وإن لم يكن هناك ، فثلاثة أوجه . أحدهما - وبه قطع العراقيون - : يحضره قربت المسافة أم بعدت ، لكن له أن يبعث إلى بلد المطلوب من يحكم بينه وبين المستعدي ، والثاني : إن كان دون مسافة القصر أحضره ، وإلا فلا ، والثالث : إن كان على مسافة العدوى ، أحضره وإلا فلا ، وهذا أصح عند الإمام .

                                                                                                                                                                        وإذا قلنا : لا يحضره إذا كان هناك حاكم ، فكذا لا يحضره إذا كان ( هناك ) من يتوسط ويصلح بينهما ، بل يكتب إليه أن يتوسط ويصلح ، فإن تعذر فحينئذ يحضره ، وحيث قلنا : يحضر الخارج عن البلد ، فذكر الإمام والغزالي ، وصاحب العدة أنه إنما يحضره إذا أقام المدعي بينة على [ ص: 196 ] ما يدعيه ، فقد لا يكون له حجة فيتضرر الخصم بالإحضار ، لكن قد لا يكون له حجة ، ويقصد تحليفه لعله ينزجر فيقر ، ولم يتعرض الجمهور لما ذكره ، لكن قالوا : يبحث القاضي عن جهة دعواه ، فقد يريد مطالبته بما لا يعتقده ، كذمي أراد مطالبة مسلم بضمان خمر ، بخلاف الحاضر في البلد لا يحتاج إلى البحث في إحضاره ؛ لأنه ليس في الحضور عليه مشقة شديدة ولا مؤنة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو استعدى على امرأة خارجة عن البلد هل يحضرها ، وهل يشترط أمن الطريق ونسوة ثقات ، وهل على القاضي أن يبعث إليها محرما لها لتحضر معه ؟ قال أبو العباس الروياني في كل ذلك وجهان الأصح أن يبعث إليها محرما أو نسوة ثقات .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية