الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        الخمر العينية لم يشبها ماء ولا طبخت بنار محرمة بالإجماع ، ومن شربها عامدا عالما بحالها ، حد وردت شهادته ، سواء شرب قدرا يسكره أم لا ، قال أصحابنا العراقيون : وكذا حكم بائعها ومشتريها في رد شهادتهما ، ولا ترد الشهادة بإمساكها ؛ لأنه قد يجوز أن يقصد به التخلل أو التخليل ، وأما المطبوخ من عصير العنب المختلف في تحريمه ، وسائر الأنبذة ، فإن شرب منها القدر المسكر ، حد وردت شهادته ، وإن شرب قليلا وهو يعتقد إباحته كالحنفي ، ففيه أوجه ، الأصح المنصوص : يحد ، ولا ترد شهادته ، والثاني : ترد ويحد ، والثالث : لا ترد ولا يحد ، واحتج الأصحاب للأصح بأن الحد إلى الإمام ، فاعتبر اعتقاده ، والشهادة تعتمد اعتقاد الشاهد ، ولهذا لو غصب جارية ووطئها معتقدا أنه يزني بها ، فبان أنها ملكه ، فسق وردت شهادته ، ولو وطئ جارية غيره يعتقدها جاريته ، لم ترد شهادته ، ولأن الحد للزجر ، والنبيذ يحتاج إلى زجر ، ورد الشهادة لسقوط الثقة بقوله .

                                                                                                                                                                        ولا يوجد ذلك إذا لم يعتقد التحريم ، وأما إذا شربه من يعتقد تحريمه ، فالمذهب أنه يحد ، وترد شهادته ، وعن القفال أن من نكح بلا ولي ووطئ ، لا ترد شهادته إن اعتقد الحل ، وترد إن اعتقد التحريم ، وعلى هذا قياس سائر المجتهدات ، ولكن عن نص الشافعي - رحمه الله - أنه [ ص: 232 ] لا ترد شهادة مستحل نكاح المتعة والمفتي به والعامل به ونقل القاضي أبو الفياض مثله .

                                                                                                                                                                        قلت : قال ابن الصباغ : قال في " الأم " إذا أخذ من النثار في الفرح لا ترد شهادته ؛ لأن من الناس من يحل ذلك ، وأنا أكرهه . قال في " الأم " : ومن ثبت أنه يحضر الدعوة بغير دعاء من غير ضرورة ، ولا يستحل صاحب الطعام ، وتكرر ذلك منه ، ردت شهادته ؛ لأنه يأكل محرما إذا كانت الدعوة دعوة رجل من الرعية ، وإن كانت دعوة سلطان ، أو من يتشبه بالسلطان فهذا طعام عام ، فلا تأثير به . قال ابن الصباغ : وإنما اشترط تكرر ذلك ؛ لأنه قد يكون له شبهة حتى يمنعه صاحب الطعام ، فإذا تكرر ، صار دناءة ، وقلة مروءة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية