الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا ادعى على إنسان مالا ، وشهد له به اثنان ، نظر إن كان عينا وطلب المدعي الحيلولة بينهما وبين المدعى عليه إلى أن يزكى الشاهدان ، أجيب إليه على الأصح ، وقيل : لا يجاب ، وقيل : يجاب إن كان المال مما يخاف تلفه أو تعيبه ، وإن كان عقارا ونحوه فلا ، وإن كان المدعى دينا ، لم يستوف قبل التزكية ، وقيل : يستوفى ويوقف ، حكاه ابن القطان ، والصحيح الأول ، فلو طلب المدعي أن يحجر على المدعى عليه ، نقل الإمام عن الجمهور أنه لا يجيبه ، وعن القاضي حسين أنه إن كان يتهمه ( بحيلة ) حجر عليه ، لئلا يضيع ماله بالتصرفات والأقارير ، ولم يتعرض عامة الأصحاب للحجر ، لكن قالوا : هل يحبس المدعى عليه إذا كان المدعى دينا ، فيه وجهان ، قال البغوي : أصحهما نعم ، [ ص: 257 ] فإن قلنا : لا ، فللمدعي ملازمته إلى أن يعطيه كفيلا وأجرة من يبعثه القاضي معهما للتكفيل على المدعى ، وإن كان المدعى قصاصا ، أو حد قذف ، حبس المشهود عليه ؛ لأن الحق متعلق ببدنه ، فيحتاط له .

                                                                                                                                                                        قلت : قال البغوي : سواء قذف زوجته أو أجنبيا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولا يحبس في حدود الله - تعالى - وأما في دعوى النكاح ، فتعدل المرأة عند امرأة ثقة ، وتمنع من الانتشار والخروج ، وفيه وجه ضعيف ، فعلى هذا الوجه هل يؤخذ منها كفيل ؟ وجهان ، قال القاضي أبو سعد : فإن كانت المرأة مزوجة ، لم يمنع منها زوجها قبل التعديل ؛ لأنه ليس مدعى عليه ، ولو شهد اثنان لعبد بأن سيده أعتقه ، وطلب العبد الحيلولة قبل التزكية ، أجله القاضي ، وحال بينه وبين سيده ، ويؤجره وينفق عليه ، فما فضل فموقوف بينه وبين السيد ، فإن لم يكن له كسب ، أنفق عليه من بيت المال ، ثم يرجع على سيده إن بان جرح الشهود واستمر الرق ، وكذا الأعيان المنتزعة يؤجرها ، وهل تتوقف الحيلولة على طلب العبد ؟ وجهان ، الأصح : لا ، بل إذا رأى الحاكم الحيلولة ، فعلها .

                                                                                                                                                                        وفي الأمة تتحتم الحيلولة احتياطا للبضع ، وكذا لو ادعت المرأة الطلاق ، وأقامت شاهدين ، فرق الحاكم بينهما قبل التزكية ، والوجهان في اشتراط طلب العبد للحيلولة جاريان في انتزاع العين المدعاة ، ويقرب منها وجهان ، حكاهما ابن كج في أن إجارة العبد هل تفتقر إلى طلب السيد أو العبد ، أم يؤجره بغير طلبهما ؟ والثاني أقرب إلى ظاهر النص ، هذا كله إذا أقام المدعي شاهدين ، فلو أقام شاهدا ، وطلب الانتزاع قبل أن يأتي بآخر هل يجاب ؟ قولان أظهرهما عند الجمهور : لا ؛ لأن الشاهد وحده ليس بحجة ، وفي الشاهدين تمت [ ص: 258 ] الحجة ، وهل يحبس المدعى عليه في القصاص والقذف بشاهد ؟ فيه القولان ، ويجري فيه الخلاف في دعوى النكاح تعديلا ، ثم تكفيلا إن لم يعدل ، وفي دعوى العتق والطلاق هل يحال ؟ فيه القولان ، ثم ذكر العراقيون والروياني أن الحيلولة والحبس قبل التعديل يتعينان إلى ظهور الأمر للقاضي بالتزكية أو الجرح ، ولا تقدر له مدة ، والحيلولة والحبس بشاهد إذا قلنا به لا يزادان على ثلاثة أيام ، وعن أبي إسحاق أنه لا حيلولة ولا حبس إذا كان الشاهد الآخر غائبا لا يحضر إلا بعد ثلاثة أيام ، وإنما محل القولين إذا كان قريبا ، والمذهب ما سبق .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال البغوي : إذا حال القاضي بين العبد وسيده ، أو انتزع العين المدعاة بعد شهادة الشاهدين وقبل التزكية ، لم ينفذ تصرف المتداعيين فيه ، لكن لو أقر أحدهما بالموقوف لآخر أو أوصى به أو دبره أو أعتقه ، انتظرنا ما يستقر عليه الأمر آخرا ، وحكى القاضي أبو سعد وجهين في نفوذ تصرفه ، وصوره فيما إذا حجر القاضي على المشهود عليه في المشهود به ، فإن أراد بالحجر الحيلولة ، حصل الخلاف ، وإن أراد التلفظ بالحجر أشعر ذلك باشتراط الحجر القولي في امتناع التصرف ، قال : وإذا قامت البينة ، وحصل التعديل ، والقاضي ينظر في وجه الحكم ، فينبغي أن يحجر عليه في مدة النظر ، فإن حجر لم ينفذ تصرفه ، قال البغوي : وقبل الحيلولة والانتزاع لا ينفذ تصرف المدعي ، وينفذ تصرف المدعى عليه ، إن قلنا : إن طلب المدعي شرط في الوقف ، وإلا فوجهان .

                                                                                                                                                                        [ ص: 259 ] فرع

                                                                                                                                                                        الثمرة والغلة الحادثان بعد شهادة الشاهدين وقبل التعديل تكون للمدعي وبين شهادة الأول و ( شهادة ) الثاني لا يكون للمدعي إلا إذا أرخ الثاني ما شهد به بيوم الأول أولا أو بما قبله ، فإن استخدم السيد العبد المدعي للعتق بين شهادة الأول والثاني على قولنا لا يحال بينهما وشهد الثاني هكذا لزمه أجرة المثل ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية