الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : تحديده بالأشخاص

                                                                                                                                            وأما القسم الثاني : وهو أن يكون التقليد مقصورا على بعض أهل البلد دون جميعهم فيجوز إذا تميزوا عن غيرهم ، فيقول قلدتك لتقضي بالبصرة بين العرب دون العجم ويقلد آخر القضاء بين العجم دون العرب فيكون كل واحد من القاضيين واليا على من اختص بنظره .

                                                                                                                                            فلا يجوز لقاضي العرب أن يحكم بين العجم ولا لقاضي العجم أن يحكم بين العرب وليس لواحد منهما أن يحكم بين من ليس من العرب ولا من العجم كالنبط لخروجهم عن نظر كل واحد منهما .

                                                                                                                                            فإن كان في البلد عربي النسب عجمي اللسان وعجمي النسب عربي اللسان ، اعتبرت شواهد البلد ، فإن كان فيها ما يدل على إرادة النسب دون اللسان أو اللسان دون النسب عمل عليه ، وإن لم يدل على إرادة واحد منهما كان محمولا على اعتبار النسب دون اللسان لأن النسب صفة لازمة واللسان صفة زائلة .

                                                                                                                                            فإن كان في العجم موال للعرب ففي أحق القاضيين بالنظر في أحكامهم وجهان [ ص: 16 ] مبنيان على اختلاف أصحابنا في موالي ذوي القربى هل يحرم عليهم من الصدقات ما يحرم على ذوي القربى ، على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يحرم عليهم ما يحرم على ذوي القربى تغليبا للولاء على النسب ، فعلى هذا يكون قاضي العرب أحق بالنظر بينهم من قاضي العجم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه لا يحرم عليهم ما يحرم على ذوي القربى تغليبا للنسب على الولاء ، فعلى هذا يكون قاضي العجم أحق بالنظر بينهم من قاضي العرب .

                                                                                                                                            وإذا وقع التنازع بين عربي وعجمي فلهما حالتان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يتفقا على التحاكم إلى قاضي أحدهما : فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يتفقا على قاضي المطلوب فينفذ حكمه بينهما : لأنه مندوب إلى استيفاء الحقوق من أهل نظره ، والحق مستوف من المطلوب للطالب .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يتفقا على التحاكم إلى قاضي الطالب ففي نفوذ حكمه بينهما وجهان مخرجان من اختلاف قولي الشافعي - رضي الله عنه - في نفوذ حكم من تراضيا به من غير الحكام :

                                                                                                                                            أحدهما : ينفذ حكمه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا ينفذ .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يتجاذب المتنازعان ويدعو كل واحد منهما إلى نظر قاضيه .

                                                                                                                                            ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يوقف تنازعهما ويقطع تخاصمهما حتى يتفقا على قاضي أحدهما فإن اتفقا على قاضي المطلوب جاز وإن اتفقا على قاضي الطالب كان على ما مضى من الوجهين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن يجتمع القاضيان على سماع الدعوى ، لأن كل واحد منهما موجودا بين أهل نظره ، وليس له الانفراد في هذا النظر فلزم اجتماعهما عليه .

                                                                                                                                            فإذا اجتمعا على سماع الدعوى تفرد بالحكم بينهما قاضي المطلوب دون الطالب .

                                                                                                                                            وإن اقتضى الحكم سماع البينة تفرد بسماعها قاضي المشهود عليه دون المشهود له .

                                                                                                                                            وإن وقف الحكم على يمين استوفاها قاضي الحالف دون المستحلف ليكون الحكم في الأحوال كلها نافذا من قاضي المطلوب دون الطالب .

                                                                                                                                            [ ص: 17 ] فإن امتنع القاضيان من الاجتماع أثما بالامتناع ، وكان قاضي المطلوب أغلظهما مأثما وأخذهما الأمير بالاجتماع جبرا .

                                                                                                                                            ويجوز أن يكون القاضي مقصور الولاية على النظر بين خصمين معينين فيختص بالنظر بينهما ولا ينظر بين غيرهما، وله ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إحداها : أن يرد النظر إليه بينهما في كل تنازع يحدث منهما فيكون بعد فصل الحكم بينهما باقي الولاية على ما يتجدد من تنازعهما .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يقتصر به على المنظر في الحكم الذي تنازعاه في الوقت ، فإذا فصل الحكم بينهما انعزل ولم يكن له أن يحكم بينهما فيما يتجدد من تنازعهما .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يكون تقليده مطلقا فيحمل على العموم دون الخصوص ويحكم بينهما في كل ما تجدد من نزاعهما .

                                                                                                                                            ويتفرع على هذا أن يقلده الإمام قضاء بلد على أن يستخلف عليه ولا ينظر فيه بنفسه ، فهذا تقليد اختيار ومراعاة ، وليس بتقليد حكم ولا نظر .

                                                                                                                                            فإذا قلد من اختاره ثبتت ولاية المختار ، ولم يكن لمن اختاره عزله وله الإشراف عليه والمراعاة له .

                                                                                                                                            ولو كان الإمام قد عين له على من يستخلفه جاز وكان هذا تقليد إنفاذ وإشراف وليس بتقليد حكم ولا اختيار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية