الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإن شهدوا عند غيره أجازه لأنه لا يعرف منه ما يعرف من نفسه فإن علم غيره أنه أنكره فلا ينبغي أن يقبله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا شهد الشهود عند غيره من القضاة بما حكم به لم يخل حال رده لشهادتهم من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يردها : لأنه لم يذكر حكمه بها وهو لا يرى سماع الشهادة على حكم نفسه ، فيجوز لغيره من القضاة إذا شهد الشهود عنده بما حكم به أن يقبل شهادتهم ويعمل عليها ويحكم بها ، لما قدمناه في الجواب من الفرق بينه وبين غيره في أن فعل نفسه محمول على يقينه ، وفعل غيره محمول على غلبة الظن ، وسواء كان القاضي الذي حكم حيا أو ميتا واليا أو معزولا ، وهذا متفق عليه .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يكون القاضي الذي قد حكم قد أكذب الشهود عنده وردهم [ ص: 210 ] مجروحين ، فلا يجوز لغيره أن يقبل شهادتهم على حكمه ، لأن الأول قد حكم بإبطال الحكم وتفسيق الشهود .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يكون قد أنكر الحكم ولم يكذب الشهود ، فلا يجوز لغيره مع إنكاره للحكم أن يسمع الشهادة بحكمه .

                                                                                                                                            وقال مالك : يجوز أن يسمعها ويحكم بها : لأن الشهادة على المنكر مسموعة اعتبارا بسائر الحقوق .

                                                                                                                                            وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الحاكم أصل والشهود فرع ، وفساد حكم الأصل موجب لفساد حكم الفرع ، كالشهادة على الشهادة ، إذا فسد فيها حكم الأصل فسد حكم الفرع .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما كان لو أكذبهم لم يكن لغيره أن يسمع به شهادتهم ، وجب أن يكون كذلك إذا أنكرهم ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية