الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : [ في أي المسائل يشاور ] :

                                                                                                                                            فإذا تقررت هذه الجملة فالقاضي مأمور بالمشاورة في أحكامه وقضاياه .

                                                                                                                                            وهي ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : ظاهر جلي قد حصل الاتفاق فيه ، وانعقد الإجماع عليه ، فلا يحتاج في مثل هذا إلى مشاورة .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : نوازل حادثة لم يتقدم فيها قول لمتبوع أو ما اختلف فيه العلماء من مسائل الاجتهاد فهو الذي يؤمر بالمشاورة فيها ، ليتنبه بمذاكرتهم ومناظرتهم على ما يجوز أن يخفى عليه ، حتى يستوضح بهم طريق الاجتهاد فيحكم باجتهاده دون اجتهادهم .

                                                                                                                                            فإن لم يشاور ، وحكم نفذ حكمه ، إذا لم يخالف فيه نصا أو إجماعا أو قياسا جليا غير محتمل .

                                                                                                                                            [ بين القاضي وأهل الشورى ] :

                                                                                                                                            وليس على أهل الشورى إذا خالفوه في حكمه أن يعارضوه فيه ولا يمنعوه منه إذا كان مسوغا في الاجتهاد .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن كان أعلم من مخالفه عمل على اجتهاد نفسه ، وإن كان مخالفه أعلم منه عمل على اجتهاد مخالفه : لقول الله : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون [ النحل : 43 ] .

                                                                                                                                            [ ص: 50 ] ودليلنا قول الله تعالى : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول [ النساء : 59 ] . ولأن الصحابة اجتهدوا فيما اختلفوا فيه ، ولم يقلد بعضهم بعضا ، مع تفاضلهم في العلم : ولأن معه آلة الاجتهاد لتوصله إلى درك المطلوب فلم يكن له التقليد كالتقليد في التوحيد .

                                                                                                                                            والجواب عن الآية من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها محمولة على تقليد العامي لأنه قال : إن كنتم لا تعلمون .

                                                                                                                                            والثاني : أنها محمولة على سؤال المستشار في المذاكرة والكشف .

                                                                                                                                            فلو لم يصل القاضي باجتهاده إلى حكم الحادثة ففي جواز تقليده فيها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج يجوز أن يقلد فيها ، للضرورة ، ويحكم لأنه ما من عالم إلا ويجوز أن يشكل عليه أحكام بعض الحوادث .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي : لا يجوز أن يقلد في قضائه ويستخلف عليها من يحكم باجتهاده إن ضاق وقت الحادثة لأن الحاكم ملزم فلا يجوز أن يلزم ما لا يعتقد لزومه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية