الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسألة الخامسة عشرة : في الخطاب الخاص بالأمة

                        الخطاب الخاص بالأمة نحو : يا أيها الأمة ، لا يشمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الصفي الهندي : بلا خلاف ، وكذا قال القاضي عبد الوهاب في كتاب الإفادة ، وأما إذا كان الخطاب بلفظ يشمل الرسول ، نحو : يا أيها الناس ، يا أيها الذين آمنوا ، يا عبادي فذهب الأكثرون إلى أنه يشمله ، وقال جماعة لا يشمله ، وقال أبو بكر الصيرافي والحليمي إن كان يتناوله بالقول نحو : قل ، فلا يشمله ، وإن لم يكن كذلك كان شاملا له ، واستنكر هذا التفصيل إمام الحرمين الجويني ; لأن القول فيهما جميعا مسند إلى الله سبحانه ، والرسول مبلغ خطابه إلينا ، فلا معنى للتفرقة .

                        وفصل بعض أهل الأصول بتفصيل آخر ، فقال إن كان الخطاب من الكتاب ، فهو مبلغ عن الله سبحانه مندرج تحت عموم الخطاب ، وإن كان من السنة فإما أن يكون مجتهدا أو لا ، فإن قلنا مجتهد فيرجع إلى أن المخاطب هل يدخل تحت الخطاب أم لا ؟ وإن لم يكن مجتهدا فهو مبلغ ، والمبلغ إذن داخل تحت الخطاب .

                        والحق أن الخطاب بالصيغة التي تشمله يتناوله بمقتضى اللغة العربية لا شك في ذلك ولا شبهة حيث كان الخطاب من جهة الله سبحانه وتعالى ، وإن كان الخطاب من جهته صلى الله عليه وآله وسلم فعلى الخلاف الآتي في دخول المخاطب في خطابه .

                        وما قيل من أنه لا فائدة في الخلاف في هذه المسألة مدفوع بظهور الفائدة في الخطابات العامة إذا فعل صلى الله عليه وآله وسلم ما يخالفها ، فإن قلنا أنه داخل في العموم كان فعله تخصيصا ، وإن قلنا : ليس بداخل لم يكن فعله مخصصا لذلك العموم ، بل يبقى على عمومه .

                        وأما الخطاب المختص بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم نحو : يا أيها الرسول ، [ ص: 377 ] و : يا أيها النبي فذهب الجمهور إلى أنه لا يدخل تحته الأمة إلا بدليل من خارج ، وقيل أنه يشمل الأمة ، روي ذلك عن أبي حنيفة ، وأحمد ، واختاره إمام الحرمين ، وابن السمعاني .

                        قال في المحصول : وهؤلاء إن زعموا أن ذلك مستفاد من اللفظ فهو جهالة ، وإن زعموا أنه مستفاد من دليل آخر ، وهو قوله وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ، وما يجري مجرى ذلك فهو خروج عن هذه المسألة ; لأن الحكم عندنا إنما أوجب على الأمة لا بمجرد الخطاب المتناول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط ، بل بالدليل الآخر . انتهى .

                        قال الزركشي : وما قالوه بعيد إلا أن يحمل على التعبير بالكبير عن أتباعه فيكون مجازا لا حقيقة .

                        وحكي عن إمام الحرمين أنه قال : إما أن ترد الصيغة في محل التخصيص أو لا ، فإن وردت فهو خاص ، وإلا فهو عام ; لأنا لم نجد دليلا قاطعا على التخصيص ، ولا على التعميم . انتهى .

                        ولا يخفاك ضعف هذا التفصيل وركاكة مأخذه ; لأن النزاع إنما هو في نفس الصيغة ، وهي خاصة بلا شك ، فورودها في محل التخصيص لا يزيدها تخصيصا باعتبار اللفظ ، وورودها في محل التعميم لا يوجب من حيث اللفظ أن تكون عامة ، فإن كان ذلك في حكم الدليل الدال على التعميم ، فهو غير محل النزاع .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية