الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        المسألة الثانية

                        أن حصول الشرط الشرعي ليس شرطا في التكليف ، عند أكثر الشافعية والعراقيين من الحنفية .

                        وقال جماعة منهم الرازي وأبو حامد وأبو زيد والسرخسي هو شرط .

                        وهذه المسألة ليست على عمومها ، إذ لا خلاف في أن مثل الجنب والمحدث مأموران بالصلاة ، بل هي مفروضة في جزأين منها ، وهو أن الكفار مخاطبون بالشرائع ، أي بفروع العبادات عملا عند الأولين لا عند الآخرين .

                        وقال قوم من الآخرين : هم مكلفون بالنواهي لأنها أليق بالعقوبات الزاجرة ، دون [ ص: 62 ] الأوامر .

                        والحق ما ذهب إليه الأولون ، وبه قال الجمهور .

                        ولا خلاف في أنهم مخاطبون بأمر الإيمان ; لأنه مبعوث إلى الكافة ، وبالمعاملات أيضا ، والمراد بكونهم مخاطبين بفروع العبادات أنهم مؤاخذون بها في الآخرة ، مع عدم حصول الشرط الشرعي ، وهو الإيمان .

                        استدل الأولون بالأوامر العامة ، كقوله : يا أيها الناس اعبدوا ربكم ونحوها ، وهم من جملة الناس .

                        واستدلوا أيضا بما ورد من الوعيد للكفار على الترك كقوله ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين لا يقال : قولهم ليس بحجة لجواز كذبهم ; لأنا نقول : لو كذبوا لكذبوا .

                        واستدلوا أيضا بقوله سبحانه : وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة [ ص: 63 ] وقوله ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا .

                        والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا .

                        واستدل الآخرون بأنهم : لو كلفوا بها لصحت ; لأن الصحة موافقة الأمر ، ولأمكن الامتثال ; لأن الإمكان شرط ، ولا يصح منهم ; لأن الكفر مانع ، ولا يمكن الامتثال حال الكفر ; لوجود المانع ، ولا بعده وهو حال الموت ; لسقوط الخطاب .

                        وأجيب : بأنه غير محل النزاع ; لأن حالة الكفر ليست قيدا للفعل في مرادهم بالتكليف به مسبوقا للإيمان ، والكافر يتمكن من أن يسلم ويفعل ما وجب عليه كالجنب والمحدث ، فإنهما مأموران بالصلاة مع تلبسهما بمانع عنها يجب عليهما إزالته ; لتصح منهما ، والامتناع الوصفي لا ينافي الإمكان الذاتي .

                        واستدلوا أيضا : بأنه لو وقع التكليف للكفار لوجب عليهم القضاء . وأجيب بمنع الملازمة ; لأنه لم يكن بينه وبين وقوع التكليف وصحته ربط عقلي ، لا سيما على قول من يقول إن القضاء لا يجب إلا بأمر جديد ، وأيضا قوله سبحانه : إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف دليل على عدم وجوب القضاء .

                        واحتج القائلون بالتفصيل : بأن النهي هو ترك المنهي عن فعله ، وهو ممكن مع الكفر .

                        وأجيب : بأن الكفر مانع من الترك كالفعل ; لأنها عبادة يثاب العبد عليها ، ولا تصح إلا بعد الإيمان ، وأيضا المكلف به في النهي هو الكف وهو فعل .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية