الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أنه قال لا يؤخذ في صدقة النخل الجعرور ولا مصران الفارة ولا عذق ابن حبيق قال وهو يعد على صاحب المال ولا يؤخذ منه في الصدقة قال مالك وإنما مثل ذلك الغنم تعد على صاحبها بسخالها والسخل لا يؤخذ منه في الصدقة وقد يكون في الأموال ثمار لا تؤخذ الصدقة منها من ذلك البردي وما أشبهه لا يؤخذ من أدناه كما لا يؤخذ من خياره قال وإنما تؤخذ الصدقة من أوساط المال قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يخرص من الثمار إلا النخيل والأعناب فإن ذلك يخرص حين يبدو صلاحه ويحل بيعه وذلك أن ثمر النخيل والأعناب يؤكل رطبا وعنبا فيخرص على أهله للتوسعة على الناس ولئلا يكون على أحد في ذلك ضيق فيخرص ذلك عليهم ثم يخلى بينهم وبينه يأكلونه كيف شاءوا ثم يؤدون منه الزكاة على ما خرص عليهم قال مالك فأما ما لا يؤكل رطبا وإنما يؤكل بعد حصاده من الحبوب كلها فإنه لا يخرص وإنما على أهلها فيها إذا حصدوها ودقوها وطيبوها وخلصت حبا فإنما على أهلها فيها الأمانة يؤدون زكاتها إذا بلغ ذلك ما تجب فيه الزكاة وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أن النخل يخرص على أهلها وثمرها في رءوسها إذا طاب وحل بيعه ويؤخذ منه صدقته تمرا عند الجداد فإن أصابت الثمرة جائحة بعد أن تخرص على أهلها وقبل أن تجذ فأحاطت الجائحة بالثمر كله فليس عليهم صدقة فإن بقي من الثمر شيء يبلغ خمسة أوسق فصاعدا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم زكاته وليس عليهم فيما أصابت الجائحة زكاة وكذلك العمل في الكرم أيضا وإذا كان لرجل قطع أموال متفرقة أو اشتراك في أموال متفرقة لا يبلغ مال كل شريك أو قطعه ما تجب فيه الزكاة وكانت إذا جمع بعض ذلك إلى بعض يبلغ ما تجب فيه الزكاة فإنه يجمعها ويؤدي زكاتها [ ص: 189 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 189 ] 609 608 - ( مالك ، عن زياد بن سعد ) بن عبد الرحمن الخراساني ، نزيل مكة ثم اليمن ، ثقة ، ثبت ، من رجال الجميع . قال ابن عيينة : كان أثبت أصحاب الزهري . وقال مالك : ثقة ، سكن مكة وقدم علينا المدينة ، وله هيبة وصلاح ، له مرفوعا في الموطأ حديثان في كتاب الجامع ، وهذا أيضا ثالث أصله الرفع ، ولذا ساقه في التمهيد ( عن ابن شهاب ) شيخ الإمام ، روى عنه هنا بواسطة ( أنه قال : لا يؤخذ في صدقة النخل الجعرور ) بضم الجيم وإسكان المهملة ، بزنة عصفور ، نوع رديء من التمر إذا جف صار حشفا ( ولا مصران الفارة ) ضرب من رديء التمر ، سمي بذلك لأنه إنما على النوى قشرة رفيعة ، جمع مصير كرغيف ورغفان ، وجمع الجمع مصارين ( ولا عذق ) بفتح العين ، جنس من النخل ، أما بكسرها فالقنو ، قاله أبو عبد الملك . وقال أبو عمر : بفتح العين النخلة وبالكسر الكباسة أي القنو ، كأن التمر سمي باسم النخلة لأنه منها ، انتهى . وفي القاموس في فصل العين المهملة يليها ذال معجمة من باب القاف : العذق النخلة يحملها وبالكسر القنو منها ( ابن حبيق ) بمهملة وموحدة ، مصغر ، سمي به الدقل من التمر لرداءته . وهذا رواه أبو داود من طريق سفيان بن حسين وسليمان بن كثير ، والنسائي من طريق عبد الجليل بن أحمد اليحصبي ، الثلاثة عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة " . زاد النسائي في روايته : وفيه نزلت : ( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) ( سورة البقرة : الآية 267 ) قال أبو عمر : أجمعوا على أنه لا يؤخذ الدنيء في الصدقة عن الجيد . ( قال ) ابن شهاب ( وهو يعد على صاحب المال ولا يؤخذ منه في الصدقة ، قال مالك : وإنما مثل ذلك الغنم تعد على صاحبها بسخالها ، والسخل لا يؤخذ منه في الصدقة ) ظاهر هذا أنه إذا كان كله رديئا فعلى ربه أن يشتري الوسط من التمر . ورواه ابن نافع عنه . وروى ابن القاسم وأشهب : يؤدى منه وليس هذا كالماشية ; لأنه مال يزكى بالجزء منه فوجب أن تخرج زكاته منه كالعين ، والفرق بينه وبين الماشية أن الزكاة تجلب إلى من تدفع إليه وتنقل من موضع إلى موضع للضرورة ، والماشية لا مؤنة في حمل الوسط منها ، فلو أجير فيها [ ص: 190 ] المريض والأعرج لما أمكن حمله إن احتيج إليه .

                                                                                                          ( وقد يكون في الأموال ثمار لا تؤخذ الصدقة منها من ذلك البردي ) بضم الموحدة وإسكان الراء ودال مهملتين وياء ، من أجود التمر ( وما أشبهه ) في الجودة ( لا يؤخذ من أدناه كما لا يؤخذ من خياره ) أعلاه ( وإنما تؤخذ الصدقة من أوساط المال ) رفقا بالمالك والمسكين ، ومقتضاه أنه إذا كان جيدا كله أن له أن يأتي الوسط إن شاء ، واختاره سحنون ، وروى ابن القاسم عن مالك : يؤخذ من الجيد ، ومبنى القولين ما تقدم ، قاله كله الباجي . ( قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يخرص من الثمار إلا النخيل والأعناب فإن ذلك يخرص حين يبدو صلاحه ويحل بيعه ) لحديث عتاب : " أمر - صلى الله عليه وسلم - أن يخرص العنب كما يخرص النخل " . فلا تخريص في غيرهما عند مالك والشافعي في الجديد . وقال في القديم ، وهي رواية شاذة عن مالك : يخرص الزيتون قياسا عليهما . وقال أبو حنيفة والليث : لا يخرص شيء ، وإن حديث : كان يبعث ابن رواحة إلى خيبر وغيرها للتخريص ، منسوخ بالنهي عن المزابنة ، وذلك شذوذ منهما ، وشذ داود فقال : لا يخرص إلا النخل خاصة . ( وذلك أن ثمر النخيل والأعناب يؤكل رطبا وعنبا ) وتباع وتعطى ، فإن أبيح ذلك بلا خرص ضر بالمساكين ، وإن منع أربابه من ذلك ضر بهم . ( فيخرص على أهله للتوسعة على الناس ) أي أهله والمساكين ( ولئلا يكون على أحد ) منها ( في ذلك ضيق فيخرص ذلك عليهم ثم يخلى بينهم وبينه يأكلونه ) ينتفعون به أكلا أو بيعا أو إعطاء بدليل قوله : ( كيف شاءوا ، ثم يؤدون منه الزكاة على ما خرص عليهم ) ومبنى التخريص أن يحزر ما في النخل أو العنب من التمر اليابس إذا جذ على حسب جنسه ، وما علم من حاله أنه يصير إليه عند الإثمار ; لأن الزكاة إنما تؤخذ منه تمرا ، فإن لم يتتمر أو يتزبب كبلح مصر وعنبها خرصها على تقدير التتمر والتزبب . ( قال مالك : فأما ما لا يؤكل رطبا من الفواكه ، إنما يؤكل بعد حصاده من الحبوب كلها فإنه [ ص: 191 ] لا يخرص ) اتفاقا ; لأن الخرص إنما هو لحاجة انتفاع أهلها بها رطبا ، ولأن تمر النخل والعنب بارز عن أكمامه فيمكن خرصه ، وهذه حبوبها متوارية فلا يمكن فيها الخرص . ( وإنما على أهلها فيها إذا حصدوها ودقوها وطيبوها وخلصت حبا ، فإنما على أهلها فيها الأمانة يؤدون زكاتها إذا بلغ ذلك ما تجب فيه الزكاة ، وهذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا ) بالمدينة ، وظاهره ولو اتهموا ، وقال الليث ومحمد بن عبد الحكم : إن اتهموا نصب السلطان أمينا ( قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا أن النخل يخرص على أهلها وثمرها في رؤوسها إذا طاب وحل بيعه ) لا قبل ذلك ( وتؤخذ منه صدقته تمرا عند الجداد ) لا قبله ; لأن الزكاة واجبة في عين الثمرة ( فإن أصابت الثمرة جائحة بعد أن تخرص على أهلها وقبل أن تجذ ) تقطع من أصلها ( فأحاطت الجائحة بالثمر كله فليس عليهم صدقة ) لوجوبها في عينها وقد زالت . ( فإن بقي من شيء يبلغ خمسة أوسق فصاعدا ) وذلك ستون صاعا ( بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ منهم زكاته ، وليس عليهم فيما أصابت الجائحة زكاة ، وكذلك العمل في الكرم أيضا ) أي مثل العمل في النخل ( وإذا كان لرجل قطع أموال متفرقة أو اشتراك في أموال متفرقة لا يبلغ مال كل شريك أو قطعه ما يجب فيه الزكاة ، وكانت إذا جمع بعض ذلك إلى بعض يبلغ ما تجب فيه الزكاة ، فإنه يجمعها ويؤدي زكاتها ) فيزكي ذو القطع المجتمع له منها نصاب كالماشية المتفرقة ، وكذا الاشتراك إنما يراعى كل ماله خاصة دون مال شريكه .




                                                                                                          الخدمات العلمية