الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2239 - ( 45 ) - قوله : ولا يكره حمل رءوس الكفار ، لأن أبا جهل لما قتل حمل رأسه .

وقال العراقيون : ما حمل رأس كافر قط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحمل إلى عثمان رءوس جماعة من المشركين ، فأنكره ، وقال : ما فعل هذا في عهد رسول الله ، ولا في أيام أبي بكر ، ولا عمر ، قالوا : وما روي من حمل الرأس إلى أبي بكر فقد تكلم في ثبوته ، انتهى . أما حمل رأس أبي جهل فرواه أبو نعيم [ ص: 200 ] في المعرفة من طريق الطبراني في ترجمة معاذ بن عمرو بن الجموح { وأن ابن مسعود حزها وجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم } ، ورواه ابن ماجه من حديث ابن أبي أوفى : { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم بشر برأس أبي جهل : ركعتين }. إسناده حسن ، واستغربه العقيلي .

وروى البيهقي { عن علي قال : جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم برأس مرحب }. وفي مراسيل أبي داود عن أبي نضرة العبدي قال : { لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم العدو ، فقال : من جاء برأس ، فله على الله ما تمنى فجاءه رجلان برأس - }الحديث - قال أبو داود : في هذا أحاديث ولا يصح منها شيء . قال البيهقي : وهذا إن ثبت ، فإن فيه تحريضا على قتل العدو ، وليس فيه حمل الرأس من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام ، ثم روي عن الزهري قال : { لم يكن يحمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة رأس قط ، ولا يوم بدر } ، وحمل إلى أبي بكر رأس ، فأنكر ذلك . قال : وأول من حملت إليه الرءوس عبد الله بن الزبير . قلت : وقد روى النسائي وغيره من حديث عبد الله بن فيروز الديلمي عن أبيه قال : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسي }.

وقال أبو أحمد الحاكم في الكنى : هو وهم ; لأن الأسود قتل سنة إحدى عشرة على عهد أبي بكر ، وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر خروج الأسود صاحب صنعاء بعده ، لا في حياته ، وتعقبه ابن القطان : بأن رجاله ثقات ، وتفرد ضمرة به لا يضره ويحتمل أن يكون معناه أنه أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصدا إليه ، وافدا عليه ، مبادرا بالتبشير بالفتح ، فصادفه قد مات صلى الله عليه وسلم ، قلت : وقول الحاكم : إن الأسود لم يخرج في حياته ، غير مسلم ، فقد ثبت أن ابتداء خروجه كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " إنه يخرج بعده " اشتداد شوكته ، واشتهار أمره ، وعظم الفتنة به ، وكان كذلك ، وقيل في أثر ذلك ، ومع ذلك فلا حجة فيه ، إذ ليس فيه اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وتقريره ، [ ص: 201 ] وقد ثبت عن أبي بكر إنكار ذلك .

وروى ابن شاهين في الأفراد له ، ومن طريقه السلفي في الطيوريات ، قال : نا محمد بن هارون ، نا محمد بن يحيى القطيعي ، حدثني ، عبد الله بن إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن ، حدثني أبو صالح خوات ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد الخدري : { إن أول رأس علق في الإسلام رأس أبي عزة الجمحي ضرب رسول الله عنقه ، ثم حمل رأسه على رمح ، ثم أرسل به إلى المدينة }. وأما الحمل إلى عثمان . فلم أره ، نعم ورد في حمل الرءوس إلى أبي بكر ، لكنه أنكره كما تقدم .

وأخرج البيهقي من حديث عقبة بن عامر : " أن عمرو بن العاص ، وشرحبيل بن حسنة ، بعثا عقبة بريدا إلى أبي بكر برأس يناق بطريق الشام ، فلما قدم على أبي بكر أنكر ذلك ، فقال له عقبة : يا خليفة رسول الله فإنهم يصنعون ذلك بنا ، قال : تأسيا أو استينانا بفارس والروم ، ولا يحمل إلي برأس وإنما يكفي الكتاب والخبر " . إسناده صحيح ، قلت : رواه النسائي في الكبرى .

وروى البيهقي من طريق معاوية بن حديج ، قال : " هاجرنا على عهد أبي بكر ، فبينما نحن عنده إذ طلع المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنه قدم علينا برأس يناق البطريق ، ولم يكن لنا به حاجة ، إنما هذه سنة العجم " .

قلت : ورأيت في كتاب أخبار زياد لمحمد بن زكريا الغلابي الإخباري البصري ، بسنده إلى الشعبي قال : لم يحمل إلى رسول الله ، ولا إلى أبي بكر ، ولا إلى عمر ، ولا إلى عثمان ، ولا إلى علي برأس ، وأول من حمل رأسه عمرو بن الحمق حمل إلى معاوية . 2240 - ( 46 ) - قوله : قتل يوم بدر عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث . قال الشافعي أنا عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل العلم بالمغازي : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر النضر بن الحارث العبدري يوم بدر ، وقتله صبرا ، وأسر عقبة بن أبي معيط يوم بدر ، وقتله صبرا }. وروى [ ص: 202 ] البيهقي من طريق محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة ، عن أبيه ، عن جده : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل بالأسارى وكان بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت فضرب عنق عقبة بن أبي معيط صبرا ، فقال : من للصبية يا محمد ؟ قال : النار }ورواه الدارقطني في الأفراد وزاد : فقال : { النار لهم ولأبيهم }. وفي المراسيل لأبي داود عن سعيد بن جبير : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة من قريش صبرا المطعم بن عدي ، والنضر بن الحارث ، وعقبة بن أبي معيط }. انتهى . وفي قوله : المطعم بن عدي تحريف ، والصواب طعيمة بن عدي ، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة ، ووصله الطبراني في الأوسط بذكر ابن عباس .

2241 - قوله : { ومن على أبي عزة الجمحي على ألا يقاتله ، فلم يوف فقاتله يوم أحد ، فأسر وقتل }. البيهقي من طريق سعيد بن المسيب بهذه القصة مطولا ، وفيه : { فقال له : أن ما أعطيتني من العهد والميثاق ، والله لا تمسح عارضيك بمكة تقول : سخرت بمحمد مرتين }. قال شعبة : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { إن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين }. وفي إسناده الواقدي

التالي السابق


الخدمات العلمية