الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1004 90 - حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بن عباس قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام قياما طويلا، نحوا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعا طويلا، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو [ ص: 82 ] دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع فقام قياما طويلا، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعا طويلا، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف، وقد تجلت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله". قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئا في مقامك، ثم رأيناك كعكعت؟ قال صلى الله عليه وسلم: إني رأيت الجنة، فتناولت عنقودا، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار، فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء". قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن". قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان; لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تأتي بمحذوف مقدر في قوله " فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي صلى بالجماعة، وهذا لا يشك فيه، ولكن الراوي طوى ذكره، إما اختصارا وإما اعتمادا على القرينة الحالية ; لأنه لم ينقل عنه أنه صلى صلاة الكسوف وحده .

                                                                                                                                                                                  ورجاله تكرر ذكرهم .

                                                                                                                                                                                  قوله " عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس " كذا في " الموطإ "، وجميع من أخرجه من طريق مالك ، ووقع في رواية اللؤلؤي في " سنن أبي داود "، عن أبي هريرة بدل ابن عباس ، قيل: هو غلط نبه عليه ابن عساكر ، وقال المزي : هو وهم .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه البخاري في الصلاة، وفي صلاة الخسوف، وفي الإيمان، عن القعنبي ، وفي النكاح، عن عبد الله بن يوسف ، وفي بدء الخلق، عن إسماعيل بن أبي أويس .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه مسلم في الصلاة، عن محمد بن رافع ، وعن سويد بن سعيد .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه أبو داود فيه، عن القعنبي .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي ، عن محمد بن سلمة .

                                                                                                                                                                                  ذكر معناه:

                                                                                                                                                                                  قوله " نحوا من قراءة سورة البقرة " وفي لفظ: نحوا من قيام سورة البقرة .

                                                                                                                                                                                  وعند مسلم : قدر سورة البقرة، وهذا يدل على أن القراءة كانت سرا، وكذا في بعض طرق حديث عائشة ، فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ سورة البقرة، وقيل: إن ابن عباس كان صغيرا، فمقامه آخر الصفوف، فلم يسمع القراءة، فحزر المدة، ورد على هذا بأن في بعض طرقه: قمت إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم، فما سمعت منه حرفا . ذكره أبو عمر .

                                                                                                                                                                                  قوله " رأيناك تناولت شيئا " كذا في رواية الأكثرين " تناولت" بصيغة الماضي . وفي رواية الكشميهني "تناول شيئا" بالخطاب من المضارع، وأصله تتناول بتاءين ; لأنه من باب التفاعل، فحذفت منه إحدى التاءين، ويروى "تتناول" على الأصل .

                                                                                                                                                                                  قوله " كعكعت " قد مر الكلام فيه في باب رفع البصر إلى الأمام ; لأنه أخرج هذا الحديث فيه مختصرا . وفيه تكعكعت، وهو رواية الكشميهني بزيادة التاء في أوله . وفي رواية غيره: كعكعت، ومعناهما تأخرت، وقال ابن عبد البر : معناه تقهقرت، وهو الرجوع إلى ورائه، وقال أبو عبيد : كعكعته فتكعكع .

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا يدل على أن كعكع متعد، وتكعكع لازم .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: فعلى هذا قوله " كعكعت " يقتضي مفعولا، فما هو ؟ قلت: على هذا معناه رأيناك كعكعت نفسك، وأما رواية تكعكعت فظاهرة .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: هذا من الرباعي الأصل، أو من المزيد ؟ قلت: نقل أهل اللغة هذه المادة يدل على أنه جاء من البابين، فقول أبي عبيد يدل على أنه رباعي مجرد، وقول الجوهري وغيره يدل على أنه ثلاثي مزيد فيه ; لأنه نقل عن يونس كع يكع بالضم، وقال سيبويه : يكع بالكسر أجود، وأصله كعع، فأسكنت العين الأولى، وأدرجت في الثانية كمد وفر . وفي " الموعب " لابن التياني : كععت وكععت، بالكسر والفتح، أكع وأكع، بالكسر والفتح، كعا وكعاعة بالفتح . وقال صاحب " العين ": كع كعوعا، وهو الذي لا يمضي في عزم . وفي " المحكم ": كع كعوعا [ ص: 83 ] وكعاعة، وكيعوعة، وكعكعه عن الورد نحاه، ويقال: أكعه الفرق إكعاعا إذا حبسه عن وجهه، ويقال: أصل كعكعت كععت، ففرق بينهما بحرف مكرر للاستثقال .

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا تصرف من غير التصريف، ووقع في رواية مسلم : رأيناك كففت، من الكف وهو المنع .

                                                                                                                                                                                  قوله " إني أريت الجنة " ظاهره من رؤية العين، كشف الله تعالى الحجب التي بينه وبين الجنة، وطوى المسافة التي بينهما حتى أمكنه أن يتناول منها عنقودا، والذي يؤيد هذا حديث أسماء الذي مضى في أوائل صفة الصلاة بلفظ: دنت مني الجنة حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها ، ومن العلماء من حمل هذا على أن الجنة مثلت له في الحائط كما ترى الصورة في المرآة، فرأى جميع ما فيها، واستدلوا على هذا بحديث أنس على ما سيأتي في التوحيد: لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط، وأنا أصلي . وفي رواية: لقد مثلت . وفي رواية مسلم : لقد صورت .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: انطباع الصورة إنما يكون في الأجسام الصقيلة ؟ قلت: هذا من حيث العادة، فلا يمتنع خرق العادة، لا سيما في حق هذا النبي العظيم صلى الله عليه وسلم ، ومع هذا هذه قصة أخرى وقعت في صلاة الظهر، وتلك في صلاة الكسوف، ولا مانع أن ترى له الجنة والنار مرتين وأكثر على صور مختلفة .

                                                                                                                                                                                  وقال القرطبي : ليس من المحال إبقاء هذه الأمور على ظواهرها، لا سيما على مذهب أهل السنة في أن الجنة والنار قد خلقتا، وهما موجودتان الآن، فيرجع إلى أن الله تعالى خلق لنبيه صلى الله عليه وسلم إدراكا خاصا به أدرك به الجنة والنار على حقيقتهما .

                                                                                                                                                                                  ومنهم من تأول الرؤية هنا بالعلم، وقد أبعد لعدم المانع من الأخذ بالحقيقة، والعدول عن الأصل من غير ضرورة .

                                                                                                                                                                                  قوله " عنقودا " بضم العين .

                                                                                                                                                                                  قوله " ولو أصبته " في رواية مسلم : ولو أخذته .

                                                                                                                                                                                  قوله " ما بقيت الدنيا " أي مدة بقاء الدنيا ; لأن طعام الجنة لا ينفد، وثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وحكى ابن العربي عن بعض شيوخه: إن معنى قوله " لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " أن يخلق في نفس الآكل مثل الذي أكل دائما بحيث لا يغيب عن ذوقه، وقد رد عليه بأن هذا رأي فلسفي مبني على أن دار الآخرة لا حقائق لها، وإنما هي أمثال . والحق أن ثمار الجنة لا تقطع ولا تمنع ، فإذا قطعت خلقت في الحال، فلا مانع أن يخلق الله مثل ذلك في الدنيا إذا شاء . وفيه بحث ; لأن كلام هذا القائل لا يستلزم نفي حقيقة دار الآخرة ; لأن ما قاله في حال الدنيا، والفرق بين حال الدنيا وحال الآخرة ظاهر .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: بين قوله: ولو أصبته، أو لو أخذته، وبين قوله: رأيناك تناولت شيئا - منافاة ظاهرا .

                                                                                                                                                                                  قلت: قيل: يحمل التناول على تكلف الأخذ لا حقيقة الأخذ .

                                                                                                                                                                                  قلت: لا يحتاج إلى هذا التأويل بالتكلف لعدم ورود السؤال المذكور ; لأن قوله " تناولت " خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم منهم.

                                                                                                                                                                                  وقوله " ولو أصبته " إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسه، ولا منافاة بين الإخبارين، فكأنهم تخيلوا التناول من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في نفس الأمر حقيقة التناول موجودة، يدل عليه معنى قوله " وتناولت عنقودا " يعني تناولته حقيقة في الجنة، ولكن لم يؤذن لي بقطفه، وهو معنى قوله " ولو أصبته " يعني لو أذن لي بقطفه لأصبته وأخرجته منها إليكم، ولكن لم يقدر لي ; لأنه من طعام الجنة، وهو لا يفنى، والدنيا فانية، فلا يجوز أن يؤكل فيها ما لا يفنى ; لأنه يلزم من أكل ما لا يفنى أن لا يفنى آكله، وهو محال في الدنيا .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: كيف يقول معناه تناولته حقيقة في الجنة، ولكن لم يؤذن لي بقطفه، وقد وقع في حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه، عن ابن خزيمة : أهوى بيده ليتناول شيئا . وفي رواية البخاري في حديث أسماء في أوائل صفة الصلاة: حتى لو اجترأت عليها، وكأنه لم يؤذن له في ذلك، فلم يجترئ عليه . وفي حديث جابر عند مسلم : ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمارها لتنظروا إليه، ثم بدا لي أن لا أفعل . وفي حديث عائشة رضي الله تعالى عنها عند البخاري : لقد رأيت أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني جعلت أتقدم . ووقع لعبد الرزاق من طريق مرسلة: أردت أن آخذ منها قطفا لأريكموه فلم يقدر .

                                                                                                                                                                                  قلت: كل هذه الروايات لا تنافي ما قلنا، أما في حديث عقبة ، فلا يلزم من قوله " أهوى بيده ليتناول شيئا " عدم تناوله حقيقة لرؤيتهم صورة التناول، وعدم رؤيتهم حقيقته . وأما في حديث أسماء فلأن عدم اجترائه على إخراجه من الجنة ; لأنه لم يؤذن له بذلك، فلا يمنع ذلك حقيقة التناول . وأما في حديث جابر فلأن صورة التناول لأجل إخراجه إليهم، لم يكن لأن نظرهم إليه وهو يتناول في الجنة لا يتصور في حقهم لعدم قدرتهم على ذلك، فهذا لا ينافي حقيقة التناول في الجنة، ولكن لم يؤذن له بالإخراج لما قلنا . وأما في حديث عائشة فلأنهم لو رأوه أخذ منها قطفا حقيقة لكان إيمانهم بالشهادة، ولم يكن بالغيب، والإيمان بالغيب هو المعتبر، وهو أيضا لا ينافي حقيقة التناول في حقه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                  قوله " وأريت النار " أريت بضم الهمزة وكسر الراء، على صيغة المجهول، وأقيم المفعول الذي هو الرائي في [ ص: 84 ] الحقيقة مقام الفاعل، وانتصاب النار على أنه مفعول ثان ; لأن أريت من الإراءة، وهو يقتضي مفعولين، وهذه رواية أبي ذر . وفي رواية غيره: رأيت النار، وكانت رؤية النار قبل رؤية الجنة لما وقع في رواية عبد الرزاق : عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم النار، فتأخر عن مصلاه حتى إن الناس ليركب بعضهم بعضا، وإذ رجع عرضت عليه الجنة، فذهب يمشي حتى وقف في مصلاه .

                                                                                                                                                                                  وروى مسلم من حديث جابر قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث بطوله . وفيه: ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه، لقد جيء بالنار، وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها . وفيه: ثم جيء بالجنة، وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي .. الحديث، وجاء من حديث سمرة أخرجه ابن خزيمة : لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقون في دنياكم وآخرتكم .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: رؤياه النار، من أي باب كان من أبواب النيران ؟ قلت: قيل: من الباب الذي يدخل منه العصاة من المسلمين .

                                                                                                                                                                                  قلت: يحتاج هذا إلى دليل، مع أن قوله صلى الله عليه وسلم " ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا حتى رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها ابن لحي ، وهو الذي سيب السائبة " رواه مسلم ، فدل على أنه صلى الله عليه وسلم رأى النيران كلها، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم : وعرضت علي النار، فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها، فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض، ورأيت أبا ثمامة عمر بن مالك يجر قصبه في النار .

                                                                                                                                                                                  قوله " فلم أر منظرا كاليوم قط أفظع " وفي رواية المستملي، والحموي : فلم أنظر كاليوم أفظع .

                                                                                                                                                                                  قوله " منظرا " منصوب بقوله " لم أر "، وأفظع أفعل التفضيل منصوب ; لأنه صفة المنظر.

                                                                                                                                                                                  وقوله " كاليوم قط " معترض بين الصفة والموصوف، والكاف فيه بمعنى المثل، والمراد من اليوم الوقت الذي فيه، وتقدير الكلام: لم أر منظرا أفظع مثل اليوم، وأدخل كاف التشبيه عليه لبشاعة ما رأى فيه، ومعنى أفظع أبشع وأقبح، وقال ابن سيده : فظع الأمر فظاعة، وهو فظيع وأفظع، أشد، وأفظع إفظاعا وهو مفظع، والاسم الفظاعة، وأفظعني هذا الأمر، وأفظعته، وأفظع هو، وفي " الصحاح ": أفظع الرجل على ما لم يسم فاعله، إذا نزل به أمر عظيم .

                                                                                                                                                                                  قوله " ورأيت أكثر أهلها " أي أهل النار النساء .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: كيف يلتئم هذا مع ما رواه أبو هريرة : إن أدنى أهل الجنة منزلة من له زوجتان من الدنيا ، ومقتضاه أن النساء ثلثا أهل الجنة .

                                                                                                                                                                                  قلت: يحمل حديث أبي هريرة على ما بعد خروجهن من النار، وقيل: خرج هذا مخرج التغليظ والتخويف . وفيه نظر ; لأنه أخبر بالرؤية الحاصلة، وقيل: لعله مخصوص ببعض النساء دون بعض .

                                                                                                                                                                                  قوله " بم يا رسول الله " أصله بما ; لأنها كلمة الاستفهام، فحذفت الألف تخفيفا .

                                                                                                                                                                                  قوله " أيكفرن بالله ؟ " الهمزة فيه للاستفهام .

                                                                                                                                                                                  قوله " قال يكفرن العشير " كذا وقع للجمهور عن مالك بدون الواو، وقيل: ويكفرن، وكذا وقع في رواية مسلم قال: حدثنا حفص بن ميسرة قال: حدثني زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس قال: انكسفت الشمس .. الحديث بطوله . وفيه: ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم يا رسول الله ؟ قال: بكفرهن، قيل: يكفرن بالله ؟ قال: يكفرن العشير .. الحديث .

                                                                                                                                                                                  وروى يحيى بن يحيى ، عن مالك في " موطئه " قال: ويكفرن العشير، بزيادة الواو، قيل: زيادة الواو غلط .

                                                                                                                                                                                  قلت: ليس كذلك ; لأنه لا فساد فيه من جهة المعنى ; لأنه أجاب مطابقا للسؤال . وزاد: وقال بعضهم: إن كان المراد من تغليطه كونه خالف غيره من الرواة فهو كذلك .

                                                                                                                                                                                  قلت: ليس كذلك ; لأن المخالفة للرواة إنما تعد غلطا إذا فسد المعنى، ولا فساد كما ذكرنا .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت: كفر يتعدى بالباء.

                                                                                                                                                                                  وقوله " أيكفرن بالله " على الأصل.

                                                                                                                                                                                  وقوله " يكفرن العشير " بلا باء ؟ قلت: لأن الذي تعدى بالباء يتضمن معنى الاعتراف، وكفر العشير لا يتضمن ذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله " ويكفرن الإحسان " يحتمل أن يكون تفسيرا لقوله " يكفرن العشير " لأن المقصود كفر إحسان العشير لا كفر ذاته، والعشير هو الزوج، وقد مر الكلام فيه مستقصى في كتاب الإيمان، والمراد من كفر الإحسان تغطيته وعدم الاعتراف به، أو جحده وإنكاره، كما يدل عليه آخر الحديث .

                                                                                                                                                                                  قوله " لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله " بيان لمعنى كفر الإحسان، وكلمة لو شرطية، ويحتمل أن تكون امتناعية بأن يكون الحكم ثابتا على النقيضين، ويكون الطرف المسكوت عنه أولى من المذكور، والدهر منصوب على الظرفية، ويجوز أن يكون المراد منه مدة عمر الرجل، وأن يكون الزمان كله مبالغة، وليس المراد من قوله " أحسنت " خطاب رجل بعينه، بل كل من يتأتى منه أن يكون مخاطبا كما في قوله تعالى: ولو ترى إذ المجرمون لأن المراد منه [ ص: 85 ] كل من تتأتى منه الرؤية، فهو خطاب خاص لفظا، وعام معنى .

                                                                                                                                                                                  قوله " شيئا " التنوين فيه للتقليل، أي شيئا قليلا لا يوافق غرضها من أي نوع كان .

                                                                                                                                                                                  ومما يستفاد منه غير ما ذكر فيما مضى:

                                                                                                                                                                                  المبادرة إلى طاعة الله عز وجل عند حصول ما يخاف منه وما يحذر عنه، وطلب دفع البلاء بذكر الله تعالى وتمجيده وأنواع طاعته . وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه من نصح أمته، وتعليمهم ما ينفعهم، وتحذيرهم عما يضرهم . وفيه مراجعة المتعلم للعالم فيما لا يدركه فهمه . وفيه جواز الاستفهام عن علة الحكم، وبيان العالم ما يحتاج إليه تلميذه . وفيه تحريم كفران الإحسان . وفيه وجوب شكر المنعم . وفيه إطلاق الكفر على جحود النعمة . وفيه بيان تعذيب أهل التوحيد لأجل المعاصي . وفيه جواز العمل اليسير في الصلاة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية