الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3018 حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( ونزل من نزل من أهلها على الجلاء ) : أي على الخروج من الوطن . قال المنذري : وهذا أيضا مرسل .

                                                                      ثم اعلم أنه اختلف في فتح خيبر هل كان عنوة كما قال أنس رضي الله عنه وابن شهاب في رواية يونس عنه أو صلحا أو بعضها صلحا والباقي عنوة كما رواه مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب ، وفي حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس التصريح بأنه كان عنوة . قال حافظ المغرب ابن عبد البر : هذا هو الصحيح في أرض خيبر أنها كانت عنوة كلها مغلوبا عليها بخلاف فدك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم جميع أرضهما على الغانمين لها الموجفين عليها بالخيل والركاب وهم أهل الحديبية .

                                                                      ولم يختلف أحد العلماء أن أرض خيبر مقسومة وإنما اختلفوا هل تقسم الأرض إذا غنمت البلاد أو توقف فقال الكوفيون : الإمام مخير بين قسمتها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرض خيبر وبين إيقافها كما فعل عمر بسواد العراق . وقال الشافعي : تقسم الأرض كلها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر لأن الأرض غنيمة كسائر أموال الكفار . وذهب مالك إلى إيقافها اتباعا لعمر لأن الأرض مخصوصة من سائر الغنيمة عما فعل عمر في جماعة من الصحابة من إيقافها لمن يأتي بعده من المسلمين كما سيأتي عن عمر أنه قال ألا قسمتها سهمانا كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر سهمانا وهذا يدل على أن أرض خيبر قسمت كلها سهمانا كما قال ابن إسحاق . وأما من قال إن خيبر كان بعضها صلحا وبعضها عنوة فقد وهم وغلط وإنما دخلت عليهم الشبهة بالحصنين اللذين أسلمهما أهلهما وهما الوطيح والسلالم في حقن دمائهم ، فلما لم يكن أهل ذينك الحصنين من الرجال والنساء والذرية مغنومين ظن أن ذلك صلح ولعمري إن ذلك في الرجال والنساء والذرية كضرب من الصلح ولكنهم لم [ ص: 196 ] يتركوا أرضهم إلا بالحصار والقتال ، فكان حكم أرضها حكم سائر أرض خيبر كلها عنوة غنيمة مقسومة بين أهلها .

                                                                      وربما شبه على من قال إن نصف خيبر صلح ونصفها عنوة بحديث يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم خيبر نصفين نصفا له ونصفا للمسلمين .

                                                                      قال ابن عبد البر : ولو صح هذا لكان معناه أن النصف له مع سائر ما وقع في ذلك النصف معه لأنها قسمت على ستة وثلاثين سهما فوقع السهم للنبي صلى الله عليه وسلم وطائفة معه في ثمانية عشر سهما ، ووقع سائر الناس في باقيها وكلهم ممن شهد الحديبية ثم خيبر . وليست الحصون التي أسلمها أهلها بعد الحصار والقتال صلحا ولو كانت صلحا لملكها أهلها كما يملك أهل الصلح أرضهم وسائر أموالهم ، فالحق في هذا ما قاله ابن إسحاق دون ما قاله موسى بن عقبة وغيره عن ابن شهاب . انتهى كلام ابن عبد البر رحمه الله .

                                                                      قال الحافظ : والذي يظهر أن الشبهة في ذلك قول ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل أهل خيبر فغلب على النخل وألجأهم إلى القصر فصالحوه على أن يجلوا منها وله الصفراء والبيضاء والحلقة ولهم ما حملت ركابهم على أن لا يكتموا ولا يغيبوا . الحديث وفي آخره : فسبى ذراريهم ونساءهم وقسم أموالهم للنكث الذي نكثوا وأراد أن يجليهم فقالوا دعنا في هذه الأرض نصلحها . الحديث أخرجه أبو داود . فعلى هذا كان قد وقع الصلح ثم حدث النقض منهم فزال أثر الصلح ثم من عليهم بترك القتل وأبقاهم عمالا بالأرض ليس لهم فيها ملك ، ولذلك أجلاهم عمر ، فلو كانوا صولحوا على أرضهم لم يجلوا منها . انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية