الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      3024 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا سلام بن مسكين حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة سرح الزبير بن العوام وأبا عبيدة بن الجراح وخالد بن الوليد على الخيل وقال يا أبا هريرة اهتف بالأنصار قال اسلكوا هذا الطريق فلا يشرفن لكم أحد إلا أنمتموه فنادى مناد لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل دارا فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن وعمد صناديد قريش فدخلوا الكعبة فغص بهم وطاف النبي صلى الله عليه وسلم وصلى خلف المقام ثم أخذ بجنبتي الباب فخرجوا فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام قال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل سأله رجل قال مكة عنوة هي قال إيش يضرك ما كانت قال فصلح قال لا

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( سرح ) : بتشديد الراء من التفعيل أي أرسل وجعل ( على الخيل ) : أي ركاب الخيل وهو الفرسان على المجاز ومنه قوله تعالى : وأجلب عليهم بخيلك ورجلك : أي بفرسانك ومشاتك .

                                                                      ولفظ مسلم فبعث الزبير على إحدى المجنبتين ، وبعث خالدا على المجنبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبة .

                                                                      وفي لفظ له : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى ، وجعل الزبير على المجنبة اليسرى ، وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي .

                                                                      وقوله والمجنبتين بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون المشددة ، قال في النهاية مجنبة الجيش هي التي في الميمنة والميسرة ، وقيل الكتيبة تأخذ إحدى ناحية الطريق والأول أصح كذا في شرح المواهب . والحسر بضم الحاء وتشديد الشين المهملتين أي الرجالة الذين لا دروع لهم . والبياذقة هم الرجالة وهو فارسي : عرب قاله النووي .

                                                                      وقال الحلبي : وجعل صلى الله عليه وسلم الزبير على إحدى المجنبتين أي وهما الكتيبتان تأخذ إحداهما اليمين والأخرى اليسار والقلب بينهما وخالد أعلى الأخرى ، وأبا عبيد على الرجالة ، وقد أخذوا بطن الوادي ، ولعل ذلك كان قبل الدخول إلى مكة لما سيأتي أنه صلى الله عليه وسلم أعطى الزبير راية وأمره أن يغرزها بالحجون لا يبرح في ذلك المحل ، وفي ذلك المحل بني مسجد يقال له مسجد الراية . انتهى . وفي شرح المواهب قال عروة : وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل مكة من أعلى مكة من كداء بالفتح والمد ، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم من كدى بالضم والقصر . قال الحافظ : ومرسل عروة هذا مخالف للأحاديث الصحيحة المسندة في البخاري أن خالدا دخل من أسفل مكة أي الذي هو كدى بالقصر والنبي صلى الله عليه وسلم دخل من أعلاها أي الذي هو بالمد ، وبه جزم ابن إسحاق وموسى بن عقبة فلا شك في رجحانه .

                                                                      [ ص: 202 ] قال الحافظ : وقد ساق دخول خالد والزبير موسى بن عقبة سياقا واضحة فقال : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم وأمره أن يدخل من كداء أي بالفتح والمد بأعلى مكة وأمره أن يركز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه ، وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمره أن يدخل من أسفل مكة وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت واندفع خالد بن الوليد حتى دخل من أسفل مكة ( اهتف بالأنصار ) : أي صح بالأنصار ولا يأتني إلا أنصاري فأطافوا به كما عند مسلم .

                                                                      وفي رواية له ادع لي الأنصار فدعوتهم فجاءوا يهرولون وحكمة تخصيصهم عدم قرابتهم لقريش فلا تأخذهم بهم رأفة ( اسلكوا هذا الطريق ) : أي طريق أعلى مكة لأن خالد بن الوليد ومن معه أخذوا أسفل من بطن الوادي ، وأخذ هو صلى الله عليه وسلم ومن معه أعلى مكة .

                                                                      ولفظ مسلم وقال يا معشر الأنصار هل ترون أوباش قريش ؟ قالوا نعم ، قال انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا ( فلا يشرفن ) : من أشرف أي لا يطلع عليكم ( أحد ) : من أتباع قريش ممن قدمهم فإنهم قدموا أتباعا وقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا كما عند مسلم . والمعنى أن قريشا جمعت جموعا من قبائل شتى وقالوا نقدم أتباعنا إلى قتال المسلمين ومقابلتهم فإن كان للأتباع شيء من الفتح أو حصول المال كنا شريكهم في ذلك ، وإن أصيبوا هؤلاء بالقتل والأخذ والذلة أعطينا المسلمين الذي سئلنا من الخراج أو العهد أو غير ذلك ( إلا أنمتموه ) : من أنام أي قتلتموه .

                                                                      وقد عمل بذلك الصحابة . ففي مسلم فما أشرف يومئذ لهم أحد إلا أناموه وفي لفظ له " فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا .

                                                                      قال النووي : قوله إلا أناموه أي ما ظهر لهم أحد إلا قتلوه فوقع إلى الأرض أو يكون بمعنى أسكنوه بالقتل كالنائم يقال نامت الريح سكنت ، وضربه حتى سكن أي مات ، ونامت الشاة أو غيرها ماتت . قال الفراء : النائمة الميتة . انتهى .

                                                                      قال الحافظ : والجمع بين هذا وبين ما جاء من تأمينه لهم أن التأمين علق بشرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال ، فلما جاهروا به واستعدوا للحرب انتفى التأمين ( فنادى [ ص: 203 ] منادي ) : وفي بعض النسخ مناد بحذف الياء وهو الظاهر ( لا قريش بعد اليوم ) : وهذا صريح في أنهم أثخنوا فيهم القتل بكثرة فهو مؤيد لرواية الطبراني أن خالدا قتل منهم سبعين ( من ألقى السلاح فهو آمن ) : فألقى الناس سلاحهم وغلقوا أبوابهم ( وعمد ) : من باب ضرب أي قصد ( صناديد قريش ) : أي أشرافهم وأعضادهم ورؤساؤهم والواحد صنديد ( فغص بهم ) : أي امتلأ البيت بهم وازدحموا حتى صاروا كأنهم احتبسوا .

                                                                      قال الخطابي : قوله لا يشرفن لكم أحد إلا أنمتموه دليل على أنه إنما عقد لهم الأمان على شرط أن يكفوا عن القتال وأن يلقوا السلاح ، فإن تعرضوا له أو لأصحابه زال الأمان وحلت دماؤهم . وجملة الأمر في قصة فتح مكة أنه لم يكن أمرا منبرما في أول ما بذل لهم الأمان ولكنه كان أمرا مظنونا مترددا بين أن يقبلوا الأمان ويمضوا على الصلح وبين أن يحاربوا ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم أهبة القتال ودخل مكة وعلى رأسه المغفر إذ لم يكن من أمرهم على يقين ولا من وفائهم على ثقة ، فلذلك عرض الالتباس في أمرها والله أعلم .

                                                                      وقد اختلف الناس في ملك دور مكة ورباعها وكراء بيوتها ، فروي عن عمر رضي الله عنه أنه ابتاع دار السجن بأربعة آلاف درهم وأباح طاوس وعمرو بن دينار بيع رباع مكة وكراء منازلها ، وإليه ذهب الشافعي . وقالت طائفة : لا يحل بيع دور مكة ولا كراؤها انتهى مختصرا ( بجنبتي الباب ) الجنبة الناحية أي بناحيتي الباب .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم بنحوه مطولا .




                                                                      الخدمات العلمية