الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال: فإن قيل: فما الدليل على أن الحركة غيره؟

قيل: (لو كان تحرك الجسم هو الجسم، لكان إذا بطل تحرك الجسم بطل الجسم، ولو كان تحرك الجسم هو الجسم لكانت الدلالة على حدث التحرك دلالة على حدث الجسم، فلو كان تحرك الجسم هو الجسم، لكان أسهل في الدلالة على حدث الجسم). [ ص: 136 ]

قلت: هذا ينبني على أن ما ليس هو الشيء فهو غيره، وهو قول المعتزلة. وأما الصفاتية فينازعونهم في هذا، ويقولون: الصفة لا يطلق عليها: إنها هي هو ولا إنها غيره، وأئمتهم لا يقولون: لا هي هو ولا هي غيره؛ لأن لفظ الغير مجمل. وكثير منهم يقولون: لا هي هو ولا هي غيره لكن الاستدلال يمشي بأن تكون الحركة ليست هي الجسم وهي حادثة، ويمشي بأن يقال: الغيران ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود، والحركة تفارق الجسم بالوجود. فإنه قد يكون موجودا ولا حركة له. لكن يقال: نسلم أن كل جسم يجوز أن يفارقه نوع الحركة، بل قد تقارنه عين الحركة، وهم يدعون أن الجسم مستلزم لعين الحركة والسكون بل لنوعها.

قال أبو الحسين: (والدلالة على استحالة سبق الجسم لجنس الحركة والسكون، هي أنه لو سبقه لكان لا واقفا ولا مارا ولا حاصلا في مكان، مع أنه جرم متحيز، والعلم باستحالة ذلك ضروري).

قال: (والدلالة على حدوث الحركة والسكون هي أن كل حركة وسكون يجوز عليهما العدم، والقديم يجوز عليه العدم، وإنما قلنا: يجوز على السكنات والحركات؛ لأنه ما من جسم متحرك إلا ويمكن أن يسكن، أو يحول من حركة إلى حركة، كخروج الفلك من دورة إلى [ ص: 137 ] دورة، وما من جسم ساكن إلا ويمكننا أن نحركه: إما بجملته أو بأجزائه، كالأجسام العظام).

وإنما قلنا: إن القديم لا يجوز عليه العدم؛ لأن القديم واجب الوجود في كل حال، وما وجب وجوده في كل حال استحال عدمه.

وإنما قلنا: إنه واجب الوجود في كل حال؛ لأنه موجود فيما لم يزل، فإما أن يكون وجوده على طريق الجواز أو على طريق الوجوب، فلو كان موجودا على طريق الجواز، لم يكن بالوجود أولى منه بالعدم لولا فاعل، ويستحيل أن يوجد القديم بالفاعل؛ لأن المعقول من الفاعل هو المحصل للشيء عن عدم، وليس للقديم حال عدم فيخرجه، فصح أن وجود القديم واجب، وليس بأن يجب وجوده في حال أولى من حال، فصح أنه واجب الوجود في كل حال فاستحال عدمه.

التالي السابق


الخدمات العلمية