الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فإن العبد إذا كان قادرا على الطاعة والمعصية، فلو لم يحدث سبب يوجب وقوع أحدهما دون الآخر للزم الترجيح بلا مرجح. وذلك السبب، إن كان من العبد، فالقول فيه كالقول في الفعل، فلا بد أن يكون السبب الحادث الموجب للترجيح من غير العبد، والسبب الذي به وقعت الطاعة نعمة من الله خص بها عبده المؤمن.

ثم إن القدرية من المعتزلة وغيرهم بنوا على هذا أن الرب لم يكن يتكلم ولا يفعل، ثم خلق الكلام والمفعولات بغير سبب اقتضى الترجيح. وأما المثبتون للقدر، من الجهمية ونحوهم، فخالفوهم في فعل العبد، وقالوا إنه لا يترجح أحد مقدوريه على الآخر إلا بمرجح، ووافقوهم في فعل الله.

ولهذا يوجد كلام الرازي -ونحوه من هؤلاء- متناقضا في هذا الأصل، فإذا ناظروا القدرية استدلوا على أن القادر لا يرجح مقدورا إلا بمرجح، وإذا أرادوا إثبات حدوث العالم، وردوا على الدهرية، بنوا ذلك على أن القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وقالوا: إن ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بغير مرجح يصح من القادر المختار، ولا يصح من العلة الموجبة، وادعوا الفرق بين الموجب بالذات وبين الفاعل بالاختيار في هذا الترجيح. [ ص: 167 ]

وهذا حقيقة قول القدرية. لكن جهم نفسه نفى كون العبد قادرا، ونفى أن يكون له قدرة على فعل. وحينئذ إذا قال: إن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح، لم ينتقض قوله بناء على أصله الفاسد.

والأشعري وغيره ممن يقول: إن العبد كاسب وله قدرة، ويقولون: ليس بفاعل حقيقة، ولا لقدرته تأثير في المقدور، إن حصل فرق معنوي بين قولهم وقول جهم، احتاجوا إلى الفرق بين فعل الرب وفعل العبد، وإلا كانوا مثل جهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية