الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : صم بكم عمي فهم لا يرجعون الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      هذه الآية يدل ظاهرها على أن المنافقين لا يسمعون ، ولا يتكلمون ، ولا يبصرون ، وقد جاء في آيات أخر ما يدل على خلاف ذلك ، كقوله تعالى : ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم [ 2 \ 20 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وكقوله : وإن يقولوا تسمع لقولهم الآية [ 63 \ 4 ] ، أي لفصاحتهم وحلاوة ألسنتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد [ 33 \ 19 ] ، إلى غير ذلك من الآيات ، ووجه الجمع ظاهر ، وهو أنهم بكم عن النطق بالحق ، وإن تكلموا بغيره ، صم عن سماع الحق وإن سمعوا غيره ، عمي عن رؤية الحق وإن رأوا غيره ، وقد بين تعالى هذا الجمع بقوله : وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة الآية [ 46 \ 26 ] ، لأن ما لا يغني شيئا فهو كالمعدوم ، والعرب ربما أطلقت الصمم على السماع الذي لا أثر له ، ومنه قول قعنب بن أم صاحب :


                                                                                                                                                                                                                                      صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      أصم عن الأمر الذي لا أريده     وأسمع خلق الله حين أريد

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      فأصممت عمرا وأعميته     عن الجود والفخر يوم الفخار

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 205 ] وكذلك الكلام الذي لا فائدة فيه فهو كالعدم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال هبيرة بن أبي وهب المخزومي :


                                                                                                                                                                                                                                      وإن كلام المرء في غير كنهه     لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      هذه الآية تدل على أن هذه النار كانت معروفة عندهم ؛ بدليل أل العهدية ، وقد قال تعالى في سورة " التحريم " : قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة [ 66 \ 6 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      فتنكير النار هنا يدل على أنها لم تكن معروفة عندهم بهذه الصفات ووجه الجمع أنهم لم يكونوا يعلمون أن من صفاتها كون الناس والحجارة وقودا لها فنزلت آية " التحريم " فعرفوا منها ذلك من صفات النار ، ثم لما كانت معروفة عندهم نزلت آية " البقرة " ، فعرفت فيها النار بأل العهدية لأنها معهودة عندهم في آية " التحريم " .

                                                                                                                                                                                                                                      ذكر هذا الجمع البيضاوي والخطيب في تفسيريهما ، وزعما أن آية " التحريم " نزلت بمكة ، وظاهر القرءان يدل على هذا الجمع لأن تعريف النار هنا بأل العهدية يدل على عهد سابق ، والموصول وصلته دليل على العهد وعدم قصد الجنس ، ولا ينافي ذلك أن سورة " التحريم " مدنية ، وأن الظاهر نزولها بعد " البقرة " .

                                                                                                                                                                                                                                      كما روي عن ابن عباس لجواز كون الآية مكية في سورة مدنية كالعكس .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية