الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إنما حرم عليكم الميتة والدم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      هذه الآية تدل بظاهرها على أن جميع أنواع الدم حرام ، ومثلها قوله تعالى في سورة " النحل " : إنما حرم عليكم الميتة والدم الآية [ 16 115 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر في آية أخرى ما يدل على أن الدم لا يحرم إلا إذا كان مسفوحا ، وهي قوله تعالى في سورة " الأنعام " : إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا الآية [ 6 \ 145 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      والجواب أن هذه المسألة من مسائل تعارض المطلق والمقيد ، والجاري على أصول مالك والشافعي وأحمد حمل المطلق على المقيد لا سيما مع اتحاد الحكم والسبب ، كما هنا ، وسواء عندهم تأخر المطلق عن المقيد كما هنا أو تقدم ، وإنما قلنا هنا إن المطلق متأخر عن المقيد ، لأن القيد في سورة " الأنعام " ، وهي نزلت قبل " النحل " مع أنهما مكيتان إلا آيات معروفة ، والدليل على أن " الأنعام " قبل " النحل " ، قوله تعالى في " النحل " : وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك الآية [ 16 \ 118 ] ، والمراد به ما قص [ ص: 219 ] عليه في " الأنعام " بقوله : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر الآية [ 6 146 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما كون " الأنعام " نزلت قبل " البقرة " و " المائدة " فواضح ، لأن " الأنعام " مكية بالإجماع إلا آيات منها ، و " البقرة " مدنية بالإجماع و " المائدة " من آخر ما نزل من القرآن ولم ينسخ منها شيء لتأخرها .

                                                                                                                                                                                                                                      وعلى هذا فالدم إذا كان غير مسفوح كالحمرة التي تظهر في القدر من أثر تقطيع اللحم فهو ليس بحرام لحمل المطلق على المقيد ، وعلى هذا كثير من العلماء ، وما ذكرنا من عدم النسخ في " المائدة " ، قال به جماعة وهو على القول بأن قوله تعالى : فإن جاءوك فاحكم بينهم الآية [ 5 42 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : أو آخران من غيركم [ 5 106 ] غير منسوخين صحيح ، وعلى القول بنسخهما لا يصح على الإطلاق ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية