الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أفرد هنا تعالى لفظ " السماء " ، ورد عليه الضمير بصيغة الجمع ، في قوله : " فسواهن " ، وللجمع بين ضمير الجمع ومفسره المفرد وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : أن المراد بالسماء جنسها الصادق بسبع سماوات ، وعليه فأل جنسية .

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني : أنه لا خلاف بين أهل اللسان العربي في وقوع إطلاق المفرد وإرادة الجمع مع تعريف المفرد وتنكيره وإضافته ، وهو كثير في القرءان العظيم وفي كلام العرب . فمن أمثلته في القرآن واللفظ معرف ، قوله تعالى : وتؤمنون بالكتاب كله [ 3 \ 119 ] ، أي بالكتب كلها بدليل قوله تعالى : كل آمن بالله وملائكته وكتبه [ 2 \ 285 ] ، وقوله وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب [ 42 \ 15 ] ، قوله تعالى : سيهزم الجمع ويولون الدبر ، [ 54 \ 45 ] ، يعني الأدبار ، كما هو ظاهر ، وقوله تعالى : أولئك يجزون الغرفة [ 25 ] ، يعني الغرف ، بدليل قوله تعالى : لهم غرف من فوقها غرف مبنية [ 39 \ 20 ] وقوله تعالى : وهم في الغرفات آمنون ، [ 34 \ 37 ] ، وقوله تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا ، [ 89 \ 22 ] ، أي الملائكة ، بدليل قوله تعالى : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ، [ 2 \ 210 ] ، وقوله تعالى : أو الطفل الذين لم يظهروا ، الآية [ 24 \ 31 ] ، يعني الأطفال الذين لم يظهروا ، وقوله تعالى : هم العدو فاحذرهم [ ص: 208 ] الآية [ 63 \ 4 ] ، يعني الأعداء .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أمثلته واللفظ منكر ، قوله تعالى : إن المتقين في جنات ونهر [ 54 \ 54 ] يعني وأنهار ، بدليل قوله تعالى : فيها أنهار من ماء غير آسن الآية [ 47 \ 15 ] ، وقوله تعالى : واجعلنا للمتقين إماما [ 25 ] ، يعني أئمة ، وقوله تعالى : مستكبرين به سامرا تهجرون يعني سامرين ، وقوله : ثم نخرجكم طفلا [ 22 \ 5 ] ، يعني أطفالا ، وقوله : لا نفرق بين أحد منهم [ 2 \ 136 ] ، أي بينهم ، وقوله تعالى : وحسن أولئك رفيقا [ 4 ] أي رفقاء ، وقوله : وإن كنتم جنبا فاطهروا [ 5 \ 6 ] ، أي جنبين أو أجنابا ، وقوله : والملائكة بعد ذلك ظهير [ 66 \ 4 ] ، أي مظاهرون لدلالة السياق فيها كلها على الجمع . واستدل سيبويه لهذا بقوله : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا [ 4 \ 4 ] أي أنفسا .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن أمثلته واللفظ مضاف قوله تعالى : إن هؤلاء ضيفي [ 15 \ 68 ] الآية ، يعني أضيافي ، وقوله : فليحذر الذين يخالفون عن أمره الآية [ 24 \ 63 ] ، أي أوامره .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنشد سيبويه لإطلاق المفرد وإرادة الجمع قول الشاعر ، وهو علقمة بن عبدة التميمي :


                                                                                                                                                                                                                                      بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب

                                                                                                                                                                                                                                      يعني وأما جلودها فصليبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنشد له أيضا قول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      كلوا في بعض بطنكم تعفوا     فإن زمانكم زمن خميص

                                                                                                                                                                                                                                      يعني في بعض بطونكم .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن شواهده قول عقيل بن علفة المري :


                                                                                                                                                                                                                                      وكان بنو فزارة شر عم     وكنت لهم كشر بني الأخينا

                                                                                                                                                                                                                                      يعني شر أعمام ، وقول العباس بن مرداس السلمي :


                                                                                                                                                                                                                                      فقلنا أسلموا إنا أخوكم     وقد سلمت من الإحن الصدور

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 209 ] يعني إنا إخوانكم ، وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      يا عاذلاتي لا تردن ملامة     إن العواذل ليس لي بأمير

                                                                                                                                                                                                                                      يعني لسن لي بأمراء .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا في النعت بالمصدر مطرد كقول زهير :


                                                                                                                                                                                                                                      متى يشتجر قوم يقل سرواتهم     هم بيننا هم رضى وهم عدل

                                                                                                                                                                                                                                      ولأجل مراعاة هذا لم يجمع في القرءان السمع والطرف والضيف لأن أصلها مصادر كقوله تعالى : ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم [ 2 \ 7 ] ، وقوله : لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ، [ 14 \ 43 ] ، وقوله تعالى : ينظرون من طرف خفي [ 42 \ 45 ] ، وقوله : إن هؤلاء ضيفي [ 15 \ 68 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية