الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      هذه الآية تدل على طلب الانتقام ، وقد أذن الله في الانتقام في آيات كثيرة كقوله تعالى : ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس الآية [ 42 41 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وكقوله : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم [ 4 148 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وكقوله ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله الآية [ 22 \ 60 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون [ 42 39 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : وجزاء سيئة سيئة مثلها [ 42 40 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 224 ] وقد جاءت آيات أخر تدل على العفو وترك الانتقام ، كقوله : فاصفح الصفح الجميل [ 15 85 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس [ 3 134 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وكقوله : ادفع بالتي هي أحسن [ 41 34 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور [ 42 43 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله : خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين [ 7 199 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وكقوله : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [ 25 63 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      والجواب عن هذا بأمرين :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أن الله بين مشروعية الانتقام ، ثم أرشد إلى أفضلية العفو ، ويدل لهذا قوله تعالى : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين [ 16 126 ] ، وقوله : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم [ 4 \ 148 ] ، فأذن في الانتقام بقوله : " إلا من ظلم " .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم أرشد إلى العفو بقوله : إن تبدوا خيرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفوا قديرا [ 4 149 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثاني : أن الانتقام له موضع يحسن فيه ، والعفو له موضع كذلك ، وإيضاحه أن من المظالم ما يكون في الصبر عليه انتهاك حرمة الله ، ألا ترى أن من غصبت منه جاريته مثلا إذا كان الغاصب يزني بها فسكوته وعفوه عن هذه المظلمة قبيح وضعف وخور تنتهك به حرمات الله ، فالانتقام في مثل هذا واجب ، وعليه يحمل الأمر في قوله : فاعتدوا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أي كما إذا بدأ الكفار بالقتال فقتالهم واجب ، بخلاف من أساء إليه بعض إخوانه المسلمين بكلام قبيح ونحو ذلك ، فعفوه أحسن وأفضل ، وقد قال أبو الطيب المتنبي :


                                                                                                                                                                                                                                      إذا قيل حلم فللحلم موضع وحلم الفتى في غير موضعه جهل



                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية