الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ولا فرق في ذلك بين الحمام وغيره ، فلا يحل دخولها إلا بشرط أن يستر عورته عن أعين الناس ويغض نظره عن عوراتهم ، ولا يمس عورة أحد ، ولا يدع أحدا يمس عورته من قيم ولا غيره ؛ لأن كشف العورة والنظر إليها ومسها حرام ، ثم إن من " عدم " النظر إلى عورة غيره بأن يكون كل من في الحمام مؤتزرا أو لا يكون فيه غيره فلا بأس بدخوله ، وإن خشي النظر إلى عوراتهم كره له ذلك ، قال الإمام أحمد : " إن علمت أن كل من في الحمام عليه إزار فادخله وإلا فلا تدخل " وقال أيضا : " ادخل إذا استترت ، واستتر منك ، ولا أظنك تسلم إلا أن تدخل بالليل أو وقتا لا يكون في الحمام أحد " .

قال القاضي : " إن كان لا يسلم من ذلك لم يجز له الدخول " يعني إذا غلب على ظنه رؤية العورات ، هذا إذا قام بفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيها ، مثل تغيير ما يكون فيها من التماثيل المحرمة وأمر المتعرين [ ص: 405 ] بالتستر ، ونهي القيم عن مس عورات الناس عند تدليكهم ، فإن لم يقدر أن يغير المنكر بلسانه ولا بيده ، فلا يدخلها إلا لحاجة كما لو لم يقدر أن يتحرز من النظر إلى العورات كما قلنا ؛ ولأن فيها المنكرات والقعود مع قوم يشربون الخمر ، أو قوم يخوضون في آيات الله أو يغتابون ، فإن الأمور المحرمة إنما يباح منها ما تدعو إليه الحاجة ؛ ولهذا حرمت على النساء إلا لحاجة .

لأن المرأة كلها عورة ولا يحل لها أن تضع ثيابها في غير بيت زوجها ، ومتى دخلها لحاجة أو غير حاجة وجب عليه أن يقوم بفرض التغيير إما بيده أو بلسانه ، والأفضل اجتنابها بكل حال مع الغنى عنها ؛ لأنها مما أحدث الناس من رقيق العيش ؛ ولأنها مظنة النظر في الجملة . وقد روى أبو سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد " رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي .

وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام " رواه أحمد . وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر " رواه النسائي بإسناد صحيح .

وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنها ستفتح عليكم أرض العجم وستجدون فيها بيوتا يقال لها : الحمامات فلا [ ص: 406 ] يدخلها الرجال إلا بالأزر ، وامنعوا النساء إلا مريضة أو في نفساء " رواه أبو داود وابن ماجه .

وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نهى الرجال والنساء عن الحمامات ، ثم رخص للرجال أن يدخلوها في الميازر " رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي . وعن عائشة أن نساء من أهل الشام أو من أهل حمص دخلن عليها ، فقالت : أنتن اللاتي يدخلن نساؤكن الحمامات ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر بينها وبين ربها " رواه أبو داود ، وابن ماجه ، والترمذي وقال : حديث حسن .

والحاجة التي نبيحها مع قيام الحاظر : المرض والنفاس ، فإن الحمام يذهب الدرن وينفع البدن ، وكذلك الحاجة إلى الغسل من جنابة أو حيض أو غيره مع تعذره في المنزل وخشية التضرر به لبرد أو غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية