الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل :

وإذا كان الماء الذي وجده الجنب يكفي أعضاء الوضوء غسلها به ناويا عن الحدثين فتحصل له الطهارة الصغرى وبعض الكبرى ، كما فعل عمرو وكما أمر به النائم والآكل ، وإذا وجد ما لا يكفيه لم يتيمم حتى يستعمل الماء ليتحقق العدم الذي هو شرط التيمم ويتميز المغسول عن غيره ليعلم ما يتيمم له ، وإن كان بعض أعضائه جريحا أو مريضا فله أن يبدأ إن شاء بالغسل وإن شاء بالتيمم في الحدث الأكبر ؛ لأن الترتيب بين أعضاء الجنب لا يجب في طهارته بالماء فأن لا يجب بين الماء والتراب أولى ، وله أن يفصل بين التيمم والغسلة بزمن طويل كما في أصل الغسلة ، وإن كان في الحدث الأصغر ففيه وجهان :

[ ص: 439 ] أحدهما : يجب الترتيب والموالاة بين التيمم وما يفعله من الوضوء ، كما يجب في نفس الوضوء ، فإذا كان الجرح في وجهه بدأ بالتيمم ثم غسل بقية الوجه وما بعده ، وإن شاء غسل الممكن من الوجه ، ثم يتيمم ثم غسل بقية الأعضاء ، وإن كانت الجروح في الأعضاء كلها تيمم لكل عضو حين يشرع في غسله ، فإن تيمم لها تيمما واحدا كان بمنزلة غسلها جملة واحدة ، وذلك لا يجوز بخلاف ما لو تيمم عن جملة الوضوء ، فإن التيمم هناك بدل عن جملة الوضوء ، وهو طهارة واحدة ، وهنا هو بدل عن المتروك غسله ، وهو أشياء مرتبة ، ويجب عليه أن يغسل الصحيح من أعضائه مع التيمم لكل صلاة ، لتحصل الموالاة بين الوضوء ؛ لأن الترتيب واجب في غسل الموضع الجريح ، فكذلك في بدله ؛ لأن البدل يقوم مقام المبدل ، هذا اختيار القاضي وابن عقيل .

والثاني : لا يجب في ذلك ترتيب وموالاة كتيمم الجنب ؛ لأنهما طهارتان مفردتان فلم يجب الترتيب والموالاة بينهما ، وإن اتحد بينهما كالوضوء والغسل ، ولأن التيمم لو كان في محل الجرح لكان حريا أن لا يجب ترتيبه على " الوضوء " لأنهما من جنسين ، فأن لا يجب ترتيبه مع مشروع في غير محل الجرح " أولى " . ولأن الترتيب إنما وجب فيما أمر الله بغسله ومسحه ليبدأ بما بدأ الله به ، وهذا الجرح ليس مأمورا بغسله ولا مسحه فلا ترتيب له ، ووجوب الترتيب له لا يلزم منه الترتيب لبدله لأن البدل في غير " محل " المبدل منه وهو أخذ منه قدرا وموضعا وصفة ومن غير جنسه ، ثم فيه من المشقة ما ينفيه قوله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) [ ص: 440 ] وقوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) .

وما لا يمكن غسله من الصحيح إلا بانتشار الماء إلى الجرح ، فله حكم الجريح كما قلنا في الجبيرة ، فإن أمكنه ضبطه بحيث لا ينتشر الماء إليه لزمه ، وإن لم يمكنه ضبطه وقدر أن يستنيب من يضبطه لزمه ذلك وإلا سقط غسله وأجزأه التيمم .

التالي السابق


الخدمات العلمية