الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 73 ] فصل :

وأما المستعمل في رفع الحدث فهو طاهر في ظاهر المذهب لما روى جابر قال : جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض لا أعقل ، فتوضأ وصب وضوءه علي " متفق عليه .

وفي الصحيح أيضا عن المسور بن مخرمة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه " ولأن بدن المحدث طاهر فلا ينجس الماء بملاقاته كسائر الطاهرات ، ودليل طهارته ما روى الجماعة عن أبي هريرة قال : " لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب فانسللت فأتيت الرحل فاغتسلت ثم جئت وهو قاعد فقال : أين كنت يا أبا هريرة ؟ فقال : كنت جنبا ، فقال : سبحان الله إن المؤمن لا ينجس " وهو مع طهارته غير مطهر في المشهور أيضا ، لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب " قالوا يا أبا [ ص: 74 ] هريرة ، كيف يفعل ؟ قال : يتناوله تناولا ، رواه مسلم . ولو كان الغسل فيه يجزئ ولا يغير الماء لم ينه عنه ، ولأن الصحابة ما زالوا تضيق بهم المياه في أسفارهم فيتوضئون ولا يجمعون مياه وضوئهم ولو كانت مطهرة لجمعوها ، ولأنه مستعمل لإزالة مانع من الصلاة فانتقل حكم المنع إليه كالمستعمل في إزالة النجاسة ، وما دام الماء يجري على بدن المغتسل وعضو المتوضئ على وجه الاتصال فليس بمستعمل حتى ينفصل .

فإن انتقل من عضو إلى عضو لا يتصل به مثل أن يعصر الجنب شعر رأسه على لمعة من بدنه أو يمسح المحدث رأسه ببل يده بعد غسلها فهو مستعمل في إحدى الروايتين ، كما لو انفصل إلى غير محل التطهير مثل أن يمسح رأسه ببل يأخذه من لحيته أو يعصر شعره في كفه ثم يرده على اللمعة ، وفي الأخرى ليس بمستعمل . وهو أصح لما روت الربيع بنت معوذ " أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بما بقي من وضوئه في يديه " رواه أحمد وأبو داود ، وعن ابن عباس قال : " اغتسل رسول [ ص: 75 ] الله صلى الله عليه وسلم من جنابة فلما خرج رأى لمعة على منكبه الأيسر لم يصبها الماء فعصر شعره عليها رواه أحمد وابن ماجه .

ولأنه ما زال يتنقل في مواضع التطهير فأشبه انتقاله إلى محل متصل . وإن اغتمس الجنب في ماء يسير بنية الطهارة صار الماء مستعملا ولم يرتفع حدثه لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، والنهي يقتضي الفساد ، وهل يصير مستعملا بانفصال أول جزء منه أو بملاقاة أول جزء منه ؟ على وجهين أنسبهما بكلامه الأول ، وصار هنا مستعملا قبل انفصال جميع البدن بخلاف ما إذا اغتسل لا يصير حتى ينفصل ، كما أن الماء إذا ورد على النجاسة لم ينجس حتى ينفصل ، وإذا وردت على قليله نجسته ، ولو لم ينو الاغتسال حتى انغمس كان كمن صب عليه الماء فترتفع الجنابة ويصير مستعملا في وجه ، وفي وجه لا يرتفع إلا عن أول جزء منفصل . وإذا غمس المتوضئ يده في الإناء بعد غسل وجهه ولم ينو غسلها فيه لم يصر [ ص: 76 ] مستعملا وقيل يصير مستعملا كما لو اغترف بها الجنب بعد النية ، والصحيح الأول ؛ لأن عبد الله بن زيد لما توضأ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم اغترف بيده من الإناء بعد غسل وجهه ، وقال : هكذا كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك الجنب في رواية ، والرواية الأخرى الفرق للعسر والمشقة في الوضوء ، ولأن الأثر جاء فيه : وإذا كان الانغماس في ماء كثير لم يغيره كالنجاسة وأولى .

ولو جمع حتى بلغ قلتين كان كالماء القليل النجس إذا جمع إلى مثله حتى بلغ قلتين لا يصير طهورا في ظاهر المذهب .

التالي السابق


الخدمات العلمية