الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي

الدكتور / عبد المجيد السوسوه الشرفي

المبحث الثالث: الاجتهاد الجماعي في المتغيرات

في الفقه الإسلامي أحكام بنيت على أساس المصلحة أو العرف، فهذه الأحكام قد تتغير بتغير المصلحة التي شرع الحكم لتحقيقها أو تغير العرف الذي بنيت عليه، وهناك أحكام يتأثر محلها بالظروف الزمانية والمكانية، فتتغير تلك الأحكام لتغير تلك الظروف، ويكون دور المجتهد في هـذا النوع من الأحكـام هـو البحث عن أسس تلك الأحكـام لمعرفـة ما إذا كان أساسا متغيرا أو ثابتا، فإن كان ثابتا فلا مجال لتغيره، وإن كان متغيرا ففيه مجال للاجتهاد والنظر في صلاحيته للتغيير.

والاجتهاد في هـذا النوع من الأحكام بقدر ما هـو مهم في تحقيقه لمصلحة الأمة ومواكبتها للتطورات والتغيرات في حياتها، فهو في الوقت نفسه من أخطر الوسائل التي قد يستخدمها من يريد تعطيل الشريعة الإسلامية أو التمرد على بعض أحكامها بذريعة التغير في الأحكام لتغير أساسها، فلربما أن أساسها لم يتغير أو أن أساسها نص و (الأصل في النصوص الثابتة هـو الدوام) ، يعني أنها لم تجئ في الأصل لعلاج حالة طارئة، ومراعاة ظروف محلية مؤقتة، بل الأصل أنها تضع شرعا دائما، وأحكاما ثابتة لجميع الأمة إلى أن يأذن الله لهذه الحياة بالزوال، لهذا وجب الحذر التام من التحلل من النصوص الثابتة بدعوى أنها كانت تعالج حالة طارئة، أو ظروفا موضعية مؤقتة، فإذا تغيرت الظروف تغير الحكم تبعا لها، فالواقع أن هـذا الموضوع مزلق خطير تزل فيه أقدام، وتضل أفهام [1] . [ ص: 115 ]

لذلك يجب أن يكون الاجتهاد في هـذا النوع من الأحكام اجتهادا جماعيا حتى يؤمن معه من هـوى الاجتهاد الفردي، ويكون ذلك ضمانة لاستعمال الاجتهاد في موضعه الصحيح، فيتحقق بذلك مقصد الشارع ومصلحة الأمة ونؤمن الأحكام الشرعية التلاعب بالهوى.. فيوم أن ينظر في هـذا النوع من القضايا والأحكام مجموعة من العلماء المجتهدين الراسخين الأتقياء، سيكون اجتهادهم دقيقا في تعرفهم على أساس هـذا النوع من الأحكام ومدى قابليته للتغير أو عدمه.

ومن المعلوم أن الأحكام القابلة للتغير أو التطور هـي المستنبطة بطريق القياس أو المصلحة المرسلة أو العرف، وذلك في نطاق المعاملات أو الأحكام الدستورية والإدارية والعقوبة التعزيرية، مما يدور مع مبدأ إحقاق الحق وجلب المصالح ودرء المفاسد. أما ما عدا ذلك من الأحكام الأساسية المقررة لغاية تشريعية أو مبدأ تنظيمي عام، فهي أمور ثابتة لا تقبل التطور، مثل أصول العقيدة والعبادات والأخلاق وأصول التعامل كحرمة محارم الإنسان، ومبدأ الرضائية في العقود، ووفاء العاقد بعقده أو عهده، وضمان الضرر اللاحق بالغير، وتحقيق الأمن والاستقرار وقمع الإجرام، وحماية الحقوق الإنسانية العامة، ومبدأ المسئولية الشخصية، واحترام مبدأ العدالة والشورى والمساواة في الحقوق والواجبات، ونحو ذلك مما استهدفت الشريعة إصلاح الأحوال به، مع ترك وسائل التطبيق حسب الظروف والمناسبات [2] .

يقول الإمام ابن القيم : الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن [ ص: 116 ] حالة واحدة، هـو عليها، لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.

والنوع الثاني ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له، زمانا ومكانا وحالا، كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع يتنوع فيها بحسب المصلحة... وهذا باب واسع، اشتبه فيه على كثير من الناس الأحكام الثابتة اللازمة التي لا تتغير، بالتعزيرات التابعة للمصالح وجودا وعدما. [3]

التالي السابق


الخدمات العلمية