الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي

الدكتور / عبد المجيد السوسوه الشرفي

سادسا: الاجتهاد الجماعي علاج للمستجدات

نحن اليوم في عصر تطورت فيه أحوال الأمم تطورا مذهلا، نشأ عن ذلك الكثير من المستجدات والقضايا التي لم تكن موجودة من قبل، وليس لها مثيل فيما تضمنته كتب الفقه المعهودة، وهذا يتطلب منا ضرورة الاجتهاد لمعالجتها، ولا بد أن يكون هـذا الاجتهاد جماعيا، وذلك لسببين:

السبب الأول: أن هـذه المستجدات تكون في الغالب قضايا عامة، يهم تنظيمها كل المجتمع، ويمس أثرها كل فرد في علاقته بالآخرين، أفرادا أو مجتمعا أو دولة، وليست من القضايا الفردية التي تتعلق بكل فرد على حدة، وعليه فإن أي خطأ في الاجتهاد للقضايا العامة يصيب أثره عموم الناس، لذلك يجب في هـذه القضايا أن يكون الاجتهاد جماعيا، لما فيه من دقة في البحث، وشمول في النظر، وتمحيص للرأي، يتبلور ذلك من خلال اشتراك جمع من العلماء في النقاش وتبادل الآراء، فيأتي حكمهم أكثر دقة في الاستنباط، وأكثر قربا للصواب من الاجتهاد الفردي [1] .

السبب الثاني: أن الكثير من القضايا المستجدة، قد يحيط بها الكثير من الملابسات والتشعبات والصلات بقضايا وعلوم متعددة، مما يجعل القدرة على فهم كل جوانبها ومتعلقاتها لا يكتمل إلا أن يكون جماعيا، ويصعب على فرد استيعاب كل ما تتطلبه تلك القضايا من علوم ومعارف، وتكون الرؤية الفردية في هـذه القضايا قاصرة، فلربما نظر إلى تلك القضية المعقدة والمتشعبة من زاوية وأهملت بقية الزوايا فيأتي الحكم قاصرا. [ ص: 87 ]

فالاجتهاد الجماعي يكون أقدر على علاج قضايا الأمة في زمن تعددت فيه الخبرات، وتشعبت فيه العلوم، وتعقدت المعاملات أشد التعقيد، وأحاط بها الكثير من التشابك مع قضايا وعلوم أخرى، بصورة لم تكن معهودة من قبل، وطرأت أنظمة جديدة للحياة لم تكن موجودة، وأصبحت المسائل الفقهية المدونة قليلة الشبه في الحياة الواقعية، وتغيرت التصورات الاجتماعية للأنظمة القانونية [2] ، وأصبح الفقيه مهما كان علمه وفقهه وجودة قريحته، لا مفر له من الاستعانة بذوي الخبرة والاختصاص في كل فن وفي كل علم، وهذا المستوى من العلم يتعذر توفره في الفرد، لذلك لا بد من الاجتهاد الجماعي الذي تتنوع فيه الاختصاصات، وتتوسع فيه الخبرات والاستشارات.

ومن الأمثلة على هـذا النوع من القضايا، ما تزخر به حياتنا العملية من العقود المتنوعة التي جدت، كعقد التأمين بمختلف أنواعه، وعقود البورصة ، وعقود المضاربة ، وعقود الكمبيالات ، والشركات والمعاملات المصرفية بأنواعها، والكثير مما يتعلق بنظام الحكم والسياسة الشرعية [3] .

التالي السابق


الخدمات العلمية