الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
المرحلة الرابعة: محاولات إحياء الاجتهاد الجماعي في العصر الحديث، ويتبين هـذا من كثرة الداعين إلى إحياء الاجتهاد الجماعي، ثم ظهور مجموعة من المجامع الفقهية كثمرة لهذه الدعوة، فقد أدرك الكثيرون من علماء الإسلام التآمر المحدق بالشريعة الإسلامية، وإقصاءها عن التشريع الرسمي في الكثير من الأقطار الإسلامية، كما أدركوا أيضا كثرة الحوادث والمستجدات التي ليس فيها رأي للعلماء السابقين، كما أن هـذه المستجدات تحمل في طياتها الكثير من التعقيد والتداخل بين القضايا والتشابك بين العلوم، مما يجعل الاجتهاد فيها لا بد أن يكون جماعيا، حتى يحقق غايته. ولذلك يجب أن يتجمع الكثير من العلماء المجتهدين، ومعهم فريق من الباحثين المتخصصين والمفكرين المبدعين في شتى العلوم والمعارف الإنسانية، بحسب ما تتطلبه القضية المنظورة للاجتهاد، وينتظموا في مؤسسة أو هـيئة اجتهادية واحدة، ليقوموا بمهمتهم الاجتهادية على أكمل وجه وأتمه.

ومن هـنا فقد دعا إلى ضرورة إحياء الاجتهاد الجماعي ووجود مؤسساتـه، جماعـة من العلمـاء المعاصـرين [1] ، نـورد بعضـا من كلامهـم كنماذج لدعوتهم. [ ص: 56 ]

يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور :... فالاجتهاد فرض كفاية على الأمة، بمقدار حاجة أقطارها وأحوالها، وقد أثمت الأمة بالتفريط فيه مع الاستطاعة ومكنة الأسباب والآلات... وإن أقل ما يجب على العلماء في هـذا العصر أن يبدأوا به من هـذا الغرض العلمي هـو أن يسعوا إلى جمع مجمع علمي، يحضره من أكبر علماء كل قطر إسلامي، على اختلاف مذاهب المسلمين في الأقطار، ويبسطوا بينهم حاجات الأمة، ويصدروا فيها عن وفاق فيما يتعين عمل الأمة عليه، ويعلموا أقطار الإسلام بمقرراتهم، فلا أحسب أحدا ينصرف عن اتباعهم [2] .

ويقول الدكتور محمد يوسف موسى : هـذا ونعتقد كل الاعتقاد أنه آن الأوان ليكون لنا (مجمع للفقه الإسلامي) بجانب مجمع اللغة العربية، فإن دراسة الفقه على النحو الواجب الذي نريد تحقيق الغاية من هـذه الدراسات، أمر لا يمكن أن يتحقق إلا بإنشاء هـذا المجمع الذي ندعو إليه جاهدين. [3] . [ ص: 57 ]

ويقول الأستاذ مصطفى الزرقاء : إذا أريد إعادة الحيوية لفقه الشريعة بالاجتهـاد الواجب استمـراره شرعا، والذي هـو السبيـل الوحيـد لمواجهـة المشكلات الزمنية الكثيرة بحلول شرعية حكمية، عميقة البحث، متينة الدليل، بعيدة عن الشبهات والريب والمطاعن، وتهزم آراء العقول الجامدة والجاحدة على السواء، فالوسيلة الوحيدة هـي: اللجوء للاجتهاد الجماعي بديلا عن الاجتهاد الفردي، وطريقة ذلك: تأسيس مجمع للفقه، يضم أشهر فقهاء العالم الإسلامي [4] .

وقد أثمرت هـذه الدعوات في قيام ثلاثة مجامع فقهية: مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة ، الذي أنشئ سنة 1969م، والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة سنة 1393هـ، ومجمع الفقه الإسلامي بجدة سنة 1981م، ولهذه المجامع إيجابيات وعليها بعض المآخذ، سنناقش ذلك في الفصل الخامس: وسيلة الاجتهاد الجماعي (المجمع الفقهي) ، كما سنتكلم عن المعالم الرئيسة والخطوط العريضة التي ينبغي أن تتوفر في تكوين المجمع الفقهي.. ومهما يكن من أمر هـذه المجامع، فإنها تمثل بداية طيبة تحتاج إلى مزيد من الجهد والتطوير والدعم المستمر، وسنشرح طرفا من هـذا في فصل المجامع. [ ص: 58 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية