الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
معلومات الكتاب

الاجتهاد الجماعي في التشريع الإسلامي

الدكتور / عبد المجيد السوسوه الشرفي

ثامنا: الاجتهاد الجماعي يوجد التكامل

الاجتهاد الجماعي يوجد التكامل في الاجتهاد على مستويين: مستوى المجتهد ومستوى النظر في القضية محل الاجتهاد. أما التكامل على مستوى المجتهد، فإن مما لا شك فيه أن تحقق الشروط الموضوعة لبلوغ درجة المجتهد المطلق صعبة المنال في عصرنا هـذا، لذلك ففي الاجتهاد الجماعي يكمل العلماء بعضهم بعضا، ويكونوا بمجموعهـم في مستـوى المجتهد المطلق. وما أحوجنا إلى هـذا النوع من الاجتهاد التكاملي، خاصة وقد صار من المتعذر اليوم وجود المجتهد المطلق، وكاد أن يتعذر المجتهد الجزئي، فصار الاجتهاد الجماعي هـو الممكن والمعوض لنا عن المجتهد المطلق [1] ، والمسدد والمقارب بين المجتهدين الجزئيين.

أما التكامل على مستوى الموضوع، فيتجلى في أن قضايانا اليوم قد شملها الكثير من التداخل بين علوم متعددة، ولم تعد من البساطة بالشكل الذي كانت عليه من قبل، بل صارت القضية الواحدة موضوعا لأكثر من تخصص في علوم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والقانون والتربية وغير ذلك [ ص: 90 ] من العلوم، ولا يمكن النظر فيها من خلال علم واحد، بل لا بد من النظر فيها من خلال كل العلوم المتصلة بتلك القضية، وهذا لن يقوم به إلا جماعة، ويصعب إن لم يتعذر أن يقوم به فرد، لأنه ليس بالإمكان أن يجمع شخص واحد بين المعرفة للعلوم الشرعية بالصورة التي اشترطها الأصوليون وبين المعرفة المتخصصة لمشاكل البيئة والعصر، فكان لا بد من أن يكون الاجتهاد في هـذه القضايا من خلال مجموعة تتكامل فيها الثقافات بحيث يضم مجلس الاجتهاد العلماء المتخصصين في العلوم العصرية إلى جانب العلماء المجتهدين في العلوم الشرعية[2] ، فيكمل أعضاء المجلس بعضهم بعضا، وتحدث الإحاطة بالمسألة من كل جوانبها وملابساتها ومتعلقاتها

[3] .

وإذا كان التكامل بين العلماء مهما ومفيدا، فإن التكامل في شخصية المجتهد هـو أمر أكثر أهمية.. ومن المفيد في هـذا المقام أن نورد ما ذكره الدكتور جمال الدين عطية حول التكامل الذي يجب أن يكون عليه [ ص: 91 ] المجتهد، حيث يقول: ( وإذا كانت ظروف المجتهدين في الماضي قد مكنتهم من الإحاطة بعلوم عصرهم وظروف معاصريهم الحياتية وأعرافهم التجارية، فإن تعقد الحياة المعاصرة والإغراق في التخصص الذي أصبح ظاهرة عامة، يدعو إلى التنبيه إلى أهمية مرحلة تعرف المجتهد على الواقعة محل الاجتهاد، وضرورة اعتماده في ذلك على معارف وخبرات غيره من المتخصصين في كل فرع من فروع المعرفة، وذلك ريثما يتيسر تخصص المجتهدين في كل فرع من هـذه الفروع، بأن يجمع بين علوم الشريعة اللازمة للاجتهاد في فرع معين، وبين التخصص في هـذا الفرع، إذ إن معالجة مشكلة ازدواج الثقافتين لا يتم إلا بتوحيد الثقافتين في شخص واحد، وأن تعاون المثقفين ثقافة عصرية تخصصية مع المثقفين بالعلوم الشرعية إنما هـو خطوة مرحلية مؤقتة، وليست هـي الحل السليم الدائم.

والمقصود بتوحيد الثقافتين في شخص واحد، لا يعني جمع ثقافتين متنافرتين ومختلفتي الأصول والمناهج في شخص واحد، فهذا شبيه بالحل المرحلي الذي أشرنا إليه، وإنما المقصود هـو تفاعل الثقافتين للخروج بثقافة واحدة متخصصة ذات أصول وضوابط إسلامية، وهو ما يعبر عنه بأسلمة المعرفة) [4] . [ ص: 92 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية