الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          أولا: التعريف بحقوق الإنسان :

          يقسم بعض علماء القانون العام [1] حقوق الإنسان إلى مجموعات؛ من أجل تيسير دراستها، على خلاف ما جرى عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948م من الخلط بينها في مواده الثلاثين [2] .

          فهنالك مجموعة ( الحريات الشخصية ) التي تشمل: الحرية [ ص: 45 ] الشخصية للفرد، وحرية التنقل، وحق الأمن على حياته وجسده، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات. والإسلام سبق إلى تشريع هـذه الحقوق وأضاف لها حقوقا شخصية أخرى مثل ( حق التكريم الشخصي ) ، الذي غفل عنه الإعلان العالمي، ولذلك لم تعتن به الدراسات الدستورية، ولم تقدم له تعريفا كما فعلت بالنسبة للحقوق الشخصية الأخرى.

          ثم هـنالك مجموعة ( حريات الفكر ) التي تشمل: حرية العقيدة، وحرية التعليم، وحرية الصحافة، وحرية الرأي.

          ثم مجموعة ( حريات التجمع ) التي تشمل: حرية الاجتماعات، وحرية تأليف الجمعيات ذات الوجود المستمر.

          وأيضا مجموعة ( الحريات الاقتصادية ) التي تضم: حق الملكية، وحرية التجارة والصناعة.

          ثم مجموعة ( الحقوق والحريات الاجتماعية ) التي يأتي في مقدمتها: حق العمل، وما يتفرع عنه من حقوق العمال؛ كحرية اختيار نوع العمل، والحق في الراحة والفراغ، والحق في المعونة عند الشيخـوخة أو المرض أو العجز عن العمل... إلخ.

          وهذه المجموعة من الحقوق هـي من بديهيات الإسلام، جاء بها وجاء بحق أعلى منها بكثير هـو حق الأفراد -وليس العمال فقط- [ ص: 46 ] في كفالة الدولة لهم؛ طعاما وشرابا ولباسا ومأوى.

          ثم مجموعة ( الحقوق السياسية ) التي أهمها: حق الانتخاب، وحق الترشيح، وحق تقرير المصير.

          والحقوق المتقدمة تخضع كلها لـ: ( مبدأ المساواة ) ؛ أي: مساواة المواطنين في التمتع بها، وهذا المبدأ يتفرع إلى: المساواة أمام القانون، والمساواة أمام القضاء، والمساواة أمام وظائف الدولة، والمساواة في التكاليف والأعباء العامة [3] .

          وكل هـذه الحقوق والحريات جاءت تعدادا ومناشدة في الإعلان ليس لها صفة الإلزام الدولي، ثم جاءت ضمن تعهدات واتفاقيات دولية لاحقا من غير أن يوجد في فكر من سطروها أو في القانون وسائل نموذجية فعالة ومنتجة تنقلها من النظرية إلى التطبيق، لذلك تبقى -وبخاصة ما جاء في الإعلان- مفتقرة إلى المنهجية لتفعيلها، وفوق ذلك فإنها قابلة لأن تعصف بها سياسة القوة والإرهاب الدولي من قبل بعض الدول الكبرى من غير أن تتعرض للمساءلة والعقاب من جهة، وكذلك معرضة لأن تعصف بها العولمة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة أخرى، كل ذلك [ ص: 47 ] من غير أن توجد ضمانات في القانون تحول دون ذلك أو تمنعه.

          وما جاء في الإعلان العالمي على وجه الخصوص يشكل تعدادا لحقوق فردية، هـي شكلية في ذاتها، لا تزيد على كونها حقوقا تشكل معاني في الذهن لا سبيل لها إلى الواقع المحسوس؛ لافتقاد منهجية تفعيلها، وبإمكان أي متخصص في القانون يحسن التعداد أن يسطر أكثر مما سطره واضعو الإعلان وهم ثلاثة رجال وامرأتان [4] ، وتبنته الأمم المتحدة كإعلان عالمي.

          ولكن ما قيمة التسطير والتنظير الذي لا يشكل حتى في نفوس واضعيه أكثر من صياغة لا تكلف شيئا؛ أماني ومثل في النفس ساعة كتابتها، بحيث لو تهيأ لأحدهم فيما بعد انتهاكها تحت ضغط مصالحه الخاصة ذات الأولوية من غير أن يتعرض للمساءلة والحساب، فلا يستبعد أنه لا يتورع عن ذلك؛ لأنه من جملة أهل الدنيا المتصارعين على لذاتها وشهواتها.

          والأمر مختلف اختلافا كليا بالنسبة لوضع حقوق الإنسان في [ ص: 48 ] الشريعة الإسلامية التي يستنبط منها نظام كامل لحقوق الإنسان، لا يشكل تعداد الحقوق فيه إلا خطوة بسيطة من خطوات أوسع وأعمق تشكل منهجية كاملة؛ فعالة ومنتجة، لتفعيل حقوق الإنسان، وهي منهجية لا تكتفي بتحقيق حقوق الإنسان، بل تذهب إلى هـدف أكبر من ذلك بكثير؛ هـو سعادة الإنسان، وليس مجرد تمتعه بالحقوق.

          التالي السابق


          الخدمات العلمية