الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          حقوق الإنسان (بين الشريعة والقانون)

          الدكتور / منير حميد البياتي

          المبحث الثاني: التحديات والمعضلات أمام نظام الدولة القانونية

          على الرغم من أن بعض العلماء يرى أن نظام الدولة القانونية، الذي هـو النموذج للدولة الحديثة منذ بداياتها إنما هـو اقتباس بشكل أو بآخر من الدولة الإسلامية التي كانت قائمة في الشرق الإسلامي؛ من حيث مقومات الدولة القانونية وضمانات تحقيقها، إلا أننا نرى أنه اقتباس من حيث الشكل والمظهر لا من حيث الحقيقة والجوهر. اقتباس التنظيم لأجهزة الدولة وسلطاتـها واختصاصاتها ونحو ذلك مما هـو مرتبط بالتنظيم العضوي للدولة بطريقة حسنة، مع القصور عن اقتباس المنهجية لتفعيل حقوق الإنسان، وهو الجوهر والأساس، وبدونها لا يمكن للتنظيم العضوي لأجهزة الدولة أن يأتي بالمعجزات.

          ونلخص في هـذا المبحث التحديات والمعضلات أمام نظام الدولة القانونية، من حيث عدم قدرته على الوفاء التام بحقوق الإنسان، والتي تمثل أسباب الإخفاق، وحيث إننا قد أتينا على ذكر معظمها سابقا عند الكلام عن أسباب إخفاق القانون الدولي في تحقيق حقوق الإنسان، وهي مماثلة لها، لذا سنذكرها تعدادا مع إضافة ما يناسب المقام. [ ص: 88 ]

          1- فساد الأساس الفكري للقانون في مجال حقوق الإنسان

          ويتمثل هـذا الأساس بنظرية القانون الطبيعي والفكر العلماني، الذي لا يعبأ بالوحي الإلهي، وهو أساس فكـري لا ينتـج عـنه إلا الإنسان الدنيوي (اللاديني) الذي تتحكم أهواؤه ومصالحه في إرادته وقراراته وسلوكه.

          2 - قابلية التشريع في مجال حقوق الإنسان وغيره للتلبس بالباطل والظلم ونحوهما

          وذلك لصدوره عن الإنسان، وهو غير معصوم عن صفات النقص، بخلاف التشريع الإسلامي الذي أساسه الوحي الإلهي المعصوم. وعلى ذلك يمكن مصادرة حقوق الإنسان عن طريق القانون، وعندئذ لا جدوى من نظام الدولة القانونية، بل يمكن تقنين الدكتاتورية ما دام التشريع بيد البشر.

          ومن الأمثلة أيضا: قوانين الأحكام العرفية، وقوانين التمييز العنصري، وقوانين الأدلة السرية، التي تخول السلطة إلقاء القبض بدون إبداء الأسباب بدعوى أن لديها أدلة سرية، وقوانين الإباحية الجنسية والشذوذ الجنسي في الغرب عامة، بدعوى الحرية الشخصية، وهي تقنين للرذيلة لتكون فعلا مباحا حسب القانون، مما أفضى إلى إصابة عشرات الملايين بمرض (الإيدز) ، مات منهم عشرات الملايين، [ ص: 89 ] وبقيت عشرات أخرى في طريقها إلى الموت العاجل، وبذلك أفقدهم أهم حقوق الإنسان على الإطلاق وهو حق الحياة.

          3 - افتقاد منهجية تفعيل حقوق الإنسان :

          ذلك أن هـذه المنهجية ليست من طبيعة القواعد القانونية الوضعية أصلا؛ لتعلقها بتنظيم شامل للحياة الدنيا والآخرة معا، فوجودها مقصور على الشريعة الإسلامية، وسنبينها عند الكلام عن منهجية الشريعة في تفعيل حقوق الإنسان.

          4 - إن نظام الدولة القانونية -بالصيغة الوضعية- لا يتصف بالعموم

          وذلك بالنسبة لحماية حقوق الإنسان، فقد تكون الدولة دولة قانونية في الداخل بقدر ما، ثم تكون هـي نفسها على الصعيد الدولي في الخارج أكبر منتهك لحقوق الإنسان وحقوق الأمم والشعوب. والأمثلة على ذلك كثيرة من الدول الاستعمارية التي مارست في البلاد المستعمرة أكبر قدر من انتهاك حقوق الإنسان، بينما الكلام عن حقوق الإنسان يعني الكلام عن حقوق بني آدم في كوكب الأرض، وعلى ذلك لا يفي نظام الدولة القانونية بحقوق بني آدم عامة، وهو المطلوب الأساس في حقوق الإنسان. [ ص: 90 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية