الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          حقوق الإنسان (بين الشريعة والقانون)

          الدكتور / منير حميد البياتي

          الفصل الأول:

          حقوق الإنسان في القانون الدولي

          المبحث الأول: حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة



          أولا: الميثاق، قانون دولي

          يعد ميثاق الأمم المتحدة من الاتفاقيات العامة (الشارعة) ، فهو قانون دولي؛ ذلك أن قواعد القانون الدولي تفتقر إلى السلطة التشريعية الموجودة في القانون الداخلي، حيث لا توجد سلطة أعلى من الدول تشرع قانونا دوليا، ومن هـنا اعتبرت الاتفاقيات الدولية هـي القانون الدولي نفسه؛ لغياب المشرع، وهذا هـو شأن ميثاق الأمم المتحدة، الذي هـو عبارة عن اتفاقية موقع عليها من قبل دول العالم.

          فماذا قدم هـذا الميثاق لحقوق الإنسان؟ وهل يمتلك منهجية لحماية حقوق الإنسان؟ أم هـو يتبنى حقوق الإنسان من غير منهجية حقة لتفعيلها على صعيد الواقع؟ وهل يتضمن ثغرات أو تشريعات تفضي إلى انتهاك حقوق الإنسان، فيكون التشريع نفسه هـو الذي يساعد على انتهاك حقوق الإنسان؟ [ ص: 57 ]

          ثانيا: قصور الميثاق عن الوفاء بحقوق الإنسان

          وصف آرنولد توينبي صاحب كتاب: «مختصر تأريخ الحضارة» [1] ميثاق الأمم المتحدة بـ: (الميثاق السخيف) ؛ نظرا لأنه تضمن حق الفيتو للدول الكبرى، الذي يمكن بموجبه إجهاض أي قرار لنصرة المظلوم، ونحن معه في ذلك.

          غير أن عجز الميثاق عن حماية حقوق الإنسان، بعد الإقرار بها له أسباب عدة، نذكرها بعد أن نذكر أولا ما وعد به الميثاق البشرية يوم أن صدر عام 1945م:

          1 - الوعد غير الصادق نجد في ديباجة الميثاق نصا يقول: «نحن شعوب الأمم المتحدة -وقد آلينا على أنفسنا- أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء، والأمم، [ ص: 58 ] كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معا في سلام وحسن جوار» [2] .

          ونظرة واحدة إلى عالم اليوم ترينا أن هـذا الذي سطره الميثاق من إشادة بحقوق الإنسان وإظهار الرغبة في تحقيقها وصونها لم يقدر أن ينفذه على صعيد الواقع، ولن يقدر على الإطلاق، والسر في ذلك: غياب الأنظمة المصلحة للنفس الإنسانية؛ المصلحة للفرد، والجماعة، والدولة، وأشخاص السلطات الحاكمة على المستوى الدولي، لذلك فإن العالم اليوم وبرغم ما سطره الميثاق من نصوص في حقوق الإنسان يعيش حالة غالب ومغلوب، وظالم ومظلوم، وباغ ومبغي عليه، وتفرد قوة عظمى بالهيمنة على العالم، بل واختطاف الأمم المتحدة نفسها.

          وهذا الوضع المنتهك لحقوق الشعوب والأمم جعل ممثل الصين في مجلس الأمن -وهي عضو دائم- ينفد صبره ويصرح بأن: (أمريكا تتعامل مع مجلس الأمن بالحذاء) [3] . وهذا هـو نص عبارته التي نشرتها الصحف في حينه. [ ص: 59 ] وتأسيسا على ذلك نقول: إن النص على حقوق الإنسان وحقوق الأمم والشعوب شيء، وامتلاك منهجية تفعيل هـذه الحقوق شيء آخر. وإذا كانت العلمانية ونظرية القانون الطبيعي هـما الأساس الفكري لهذه التشريعات، فإنهما لا يمتلكان منهجية لتفعيل هـذه الحقوق؛ لأن مدار ذلك كله على إصلاح الإنسان، وإصلاح أشخاص السلطات الحاكمة، وإصلاح المسيطرين على العلاقات الدولية؛ حتى يكونوا متورعين عن الظلم، والفساد، والجشع، والطمع؛ لئلا يعيثوا في الأرض فسادا. ومنهجية الإصلاح هـذه لا يمتلكها غير الإسلام؛ لأن مدارها على العقيدة، والأخلاق، والعبادة.

          وعلى ذلك يكون تسطير الحقوق والنص عليها من غير وجود - (منهجية تفعيلها) - كمن يغذي المعدة برائحة الخبز فقط.

          2 - معضلات كبرى في الميثاق تقوض حقوق الإنسان

          إذا كان (الميثاق) قد نص على حقوق الإنسان الأساسية، ونص أيضا على حقوق متساوية للأمم؛ كبيرها وصغيرها، فإنه قد أعطى هـذه الحقوق باليمين، ولكنه قد سحبها بالشمال، وقوضها من أساسها بأربع وسائل خطيرة في الميثاق نفسه، تشكل أربع معضلات: [ ص: 60 ] المعضلة الأولى

          تقويض حقوق الإنسان بواسطة حق الفيتو [4] وبيان ذلك: أن تشريع الميثاق لحق الفيتو للدول الخمس الدائمة العضوية يمثل قمة الدكتاتورية والاستبداد والطغيان في عصر الديمقراطية؛ لأنه يجعل من إرادة دولة واحدة متحكمة في إرادة جميع دول العالم، وعددها اليوم 189 دولة، فلو أن هـذه الدول جميعا توجهت إرادتها مباشرة أو بواسطة ممثليها في مجلس الأمن باتجاه قرار منصف وشريف لنصرة شعب مظلوم وإنصافه، فإن إرادة واحدة هـي إرادة الدولة صاحبة الفيتو كافية لإجهاض جميع تلك الإرادات؛ والأمثلة على ذلك كثيرة كان آخرها استخدام أمريكا حق الفيتو لإفشال رغبة جميع الدول في إرسال مراقبين دوليين إلى فلسطين؛ لحماية الشعب الفلسطيني من اليهود، الذين أهلكوا الحرث والنسل، وأهلكوا البلاد والعباد؛ قتلا، وتدميرا، وتشريدا، على مدار الساعة أمام أنظار العالم والأمم المتحدة. [ ص: 61 ] وإذا كان حق الفيتو هـنا يقوض حقوق الإنسان ويصادرها بإفشال قرار منصف لحقوق الإنسان فإن له تأثيرا أشد ظلما من ذلك؛ فلو أن الدولة صاحبة حق الفيتو أرادت إفناء شعب أو أمة عن بكرة أبيها، وتدمير أي من البلاد التي ترغب في تدميرها، وباشرت ذلك بالفعل على صعيد الواقع بعمل عدواني تباشره بنفسها خارج إطار ما يسمى بالشرعية الدولية، فإنها حسب بنية الميثاق ونصوصه تستطيع فعل ذلك، من غير أن تقدر الأمم المتحدة على إيقافها ابتداء، أو استمرارا، أو انتهاء؛ لأن المختص بذلك الإيقاف هـو مجلس الأمن بقرار من عنده، وسيكون مجلس الأمن عاجزا عن اتخاذ مثل هـذا القرار؛ لأن الدولة المعتدية ستستعمل ضده حق الفيتو، ويستمر العدوان، ويستمر تقويض حقوق الإنسان.

          وماذا ينفع المظلوم أن يشتكي في مجلس الأمن إذا كان ظالمه يملك حق الفيتو؟

          وفوق ذلك تستطيع الدولة صاحبة حق الفيتو استخدامه ليس من أجل نفسها، وإنما من أجل دولة حليفة لها تعتدي على شعوب من حولها، فتحظى بتغطية لاستمرار عدوانها وتقويض حقوق الإنسان [ ص: 62 ] بطريقة جماعية، مع أنها لا تملك حق الفيتو، كما تفعل إسرائيل حاليا بالتحالف مع الولايات المتحدة.

          المعضلة الثانية

          تمكين الميثاق للدولة المعتدية من الإفلات من القضاء الدولي وبيان ذلك: إن الميثاق شرع إقامة محكمة العدل الدولية بطريقة تقضي إلى إفلات الدولة الظالمة من القضاء الدولي، وإبقاء الظلم على حاله، إبقاء الظالم ظالما، والمظلوم مظلوما، من غير قدرة للقضاء الدولي على التدخل؛ لأن النظام الأساسي لمحكمة العـدل الدولية -وهو جزء لا يتجزأ من الميثاق [5] - ينص على أن لا يتدخل هـذا القضاء الدولي إلا إذا رضي الطرفان الظالم والمظلوم بالاحتكام إليه، والظالم لا يرتضي الاحتكام إلى العدالة؛ لأنه ظالم، ما دام مخيرا أن يقبل أو لا يقبل هـذا الاحتكام؟ وهذا ما نص عليه النظام الأساسي للمحكمة الدولية في المادة: (36) [6] منه.

          فبهذا التنظيم الفاسد للقضاء الدولي يسهم الميثاق في تقويض حقوق الإنسان بصورة جماعية. فماذا ينفع بعد ذلك أن الميثاق نص على [ ص: 63 ] حقوق الإنسان الأساسية وكفلها؟ ونص على حقوق متساوية للأمم كبيرها وصغيرها؟ ونص على منع العدوان؟

          المعضلة الثالثة

          إغفال الميثاق لمبدأ (العدالة) في أهداف الأمم المتحدة، ومبادئها من المؤسف والمدهش في نفس الوقت أن الميثاق أغفل مبدأ العدالة، فلم ينص عليه ضمن أهداف الأمم المتحدة التي تريد تحقيقها في العالم [7] ، كما لم ينص عليه أيضا ضمن المبادىء التي تسير عليها الأمم المتحدة [8] . وعلى ذلك فتحقيق العدالة ليس هـدفا منصوصا عليه في أهداف الأمم المتحدة، ولا مبدأ من مبادئها.

          النصوص الدالة على إغفال مبدأ العدالة، ونتائج ذلك في الواقع:

          حددت المادة الأولى من الميثاق أهدافا أربعة سمتها: (مقاصد الأمم المتحدة) ، ليس من بينها تحقيق العدالة في العلاقات الدولية بين الدول أو الأمم والشعوب، بينما أعطت في الفقرة الأولى من هـذه المادة الأولوية لحفظ السلم والأمن الدولي، فنصت عليه [9] ، وعلى ذلك: إذا [ ص: 64 ] تقاطع السلم مع العدالة، فلا عبرة بالعدالة، وإنما العبرة بالسلم والأمن الدولي، وذلك بإعادة السلم إلى نصابه.

          ويظهر هـذا التقاطع في النزاعات المسلحة، فإذا اعتدت دولة كبرى تملك حق الفيـتو أو حليفتها على دولة صغيرة أو متوسطة، وأفقدت شعبها كل حقوق الإنسان، وأدخلته في نفق الحصار أو مصادرة وطنه مع الجوع والفقر والتشريد والقتل التي تمثل انتهاك حقوق الإنسان بصورة جماعية، فإنه مع نص الميثاق على السلم وإغفال العدالة لا يكون أمامه إلا ثلاثة خيارات:

          الخيار الأول: أن يستسلم مكرها أمام القوة المادية المعتدية، ويسكت على فقدان حقوق الإنسان، وبذلك يتحقق السلم بين ظالم قوي ومظلوم ضعيف، فبموجب ميثاق الأمم المتحدة يكون قد تحقق السلم أو عاد السلم والأمن الدولي إلى نصابه، ولا عبرة بإنصاف هـذا الشعب وتحقيق العدالة له ما دام قد تحقق السلم وهو الهدف وليس العدالة.

          ولا شك أن في ذلك هـضما كاملا لحقوق الإنسان بصورة جماعية، يسهم فيه الميثاق بتبنيه هـدف السلم، وإغفاله هـدف العدالة. [ ص: 65 ]

          الخيار الثاني: أن يرفع شكواه إلى الهيئة العامة للأمم المتحدة، لتجيبه أنها غير مختصة، وإنما المختص بذلك مجلس الأمن حسب أحكام الفصل السابع من الميثاق الخاص بالنزاعات المسلحة [10] ، فيتحول الأمر إلى مجلس الأمن الذي رتب الميثاق مسبقا عجزه عن اتخاذ قرار لإيقاف عدوان الدولة الكبرى المعتدية؛ بسبب حق الفيتو ، فيستمر العدوان إلى أن يتم الاستسلام، فيتحقق السلم والأمن الدولي، ولا عبرة بضياع العدالة وحقوق الإنسان.

          الخيار الثالث: أن يلتجىء إلى محكمة العدل الدولية لتحقيق العدالة، فتجيب أنها غير مختصة في نظر شكواه حسب نصوص الميثاق، إلا إذا قبل الطرف المعتدي -أي: الجانـي- الترافع أمام المحكمة، وما دام الجاني لا يقبل الترافع أمام المحكمة فـلا سبـيل إلى اختصاص المحـكمة أو تحقيق العدالة [11] . [ ص: 66 ] وكل ما تقدم يدل على أن الميثاق بني على تبني مبدأ السلم وتقديمه على مبدأ العدالة، بل إغفال مبدأ العدالة في النـزاعات المسلحة أصلا، وهو بذلك يسهم في هـدم حقوق الإنسان التي نص عليها، فيكون قد نص عليها من جهة وعرضها لأبشع درجات الإهانة والإذلال والمصادرة من جهة أخرى.

          هذا كله فيما يتعلق بأهداف (مقاصد) الأمم المتحدة الأربعة، التي ليس من بينها هـدف العدالة.

          موقف الإسلام العدالة أعلى من السلم؟

          أما المنهج الإسلامي، فهو على العكس من ذلك تماما، فإنه من أجل العدالة يقاتل المعتدي والباغي والظالم في العلاقات الدولية، ويقدم العدالة على السلم عند التقاطع بينهما، ولا يحترم السلم المبني على الظلم؛ وذلك انتصارا لحقوق الإنسان، بل إن القرآن الكريم يبين أن إقرار العدالة في الأرض هـو أعظم هـدف بعد عبادة الله، بل هـي جزء عظيم لا يتجزأ من عبادة الله نفسها، التي هـي أعلى غاية على الإطلاق.

          فقد بين القرآن الكريـم أن الله تعالى أرسل رسله وأنزل كتبه؛ ليقوم الناس بالقسط؛ أي العدل،

          قال تعالى: ( لقد أرسلنا [ ص: 67 ] رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) (الحـديد: 25) ، وقال الله سبحانه تعالى: ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) (الحجرات:9) .

          وفي تقرير العدالة صون حقوق الإنسان كلها؛ لأن معنى العدالة واسع يسع حقوق الإنسان كلها، وهو ما نهجه الإسلام، وفي إغفال العـدالة تدمير حقوق الإنسان؛ لأنه بدون التزام العدالة لن يكون الحـكم إلا لشريعة الغاب، وسياسة القوة والقهر، وهو ما نهجه القانون الدولي ممثلا بالميثاق؛ وذلك عند النظر إلى حقائق الأمور ومآلات النصوص وإلى البناء الكلي للميثاق، وعدم الانخداع بديكورات الجمل والعبارات التي تذكر صون حقوق الإنسان، والإشادة بها.

          وتأكيدا لما تقدم من إغفال ميثاق الأمم المتحدة لمبدأ العدالة في بيان أهداف الأمم المتحدة فإنه أيضا أكد ذلك الإغفال في المادة الثانية من الميثاق حين ذكر (المبادئ) التي تعتمدها الأمم المتحدة على وجه التحديد، فذكر سبعة مبادىء تعمل بموجبها الأمم المتحدة ليس من بينها مبدأ العدالة أيضا [12] . [ ص: 68 ]

          المعضلة الرابعة

          ضمان الميثاق لبقاء المعضلات السابقة واستمرارها دون تغيير ومن حق قائل أن يقول: فما بال الدول الضعيفة والمتوسطة في الأمم المتحدة لا تسعى إلى تعديل هـذا القانون الدولي المسمى بـ: الميثاق، ما دام يحتوي على كل هـذا الطامات الكبرى التي تعرض حقوق الأمم والشعوب إلى انتهاك حقوق الإنسان بصورة جماعية، وما دام التصويت في الهيئة العامة للأمم المتحدة يتم بالأكثرية المطلقة منها والموصوفة؟

          والجواب: إن واضعي الميثاق الذين ضمنوا فيه تكريس هـيمنة الدول الكبرى هـيمنة كاملة على العالم، قد احتاطوا لذلك من أجل إبقاء هـذا الوضع المؤسف واستمراره دون تعديل، فجعلوا التعديل نفسه خاضعا لاستخدام حق الفيتو ضده، فـلا يتم التعديل حتى لو أرادته دول العالم كلها مجتمعة ورفضته دولة الفيتو وحدها، وهذا ما نصت عليه المادة (108) من الميثاق [13] .

          وهكذا ستبقى الدول الضعيفة والمتوسطة أسيرة بموجب الميثاق [ ص: 69 ] للدول الكبرى صاحبة حق الفيتو، وتبقى حقوق الإنسان لشعوبها وأممها عرضة للعدوان والانتهاك في كل حين، ما دامت الأمم المتحدة وميثاقها باقيين، وهو وضع مؤسف ومأساوي بالنسبة لحقوق الإنسان.

          كل ما تقدم يتعلق بالميثاق بوصفه قانونا دوليا له أساسه الفكري وخصائصه ونتائجه.

          أما الإعلان العالمي لحقـوق الإنسان الصادر عام 1948م، فإنه لا يعد قانونا دوليا له صفة الإلزام؛ لأنه لم يكن معاهدة دولية وإنما صدر في صورة مناشدة ومناداة لها قيمة التوصية غيـر الملزمة، كما يدل عليه ما جاء في ديباجة الإعلان [14] . ونظرا لعدم الإلزام فيه من جهة، وإغراقه في الفردية من غير نظر إلى الجماعات والشعوب من حيث حقوقها فقد عضد بالعهدين الصادرين عام 1966م في صورة معاهدتين دوليتين [15] مفتوحتين للدول للتوقيع عليها، واللتين تطابقت المادة الأولى فيهما ونصت على ما يلي: [ ص: 70 ]

          المادة (1) :

          1 - لكافة الشعوب الحق في تقرير المصير، ولها استنادا إلى هـذا الحق أن تقرر بحرية كيانها السياسي، وأن تواصل بحرية نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

          2 - ولجميع الشعوب تحقيقا لغاياتها الخاصة أن تتصرف بحرية في ثرواتها ومواردها، ولا يجـوز بحال من الأحوال حرمان شعب ما من وسائله المعيشية الخاصة.

          ومثلما كان الإعلان العالمي حبرا على ورق في التطبيق الدولي، فإن النصوص المتقدمة في العهدين المذكورين صارا حبرا على ورق أيضا، ولكن هـذه المرة على يد (الشرعية الدولية) ممثلة بالأمم المتحدة، راعية القانون الدولي، في صورة حصار للشعوب، يفقدهم كل مقومات حقوق الإنسان الفردية والجماعية. [ ص: 71 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية