الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          رابعا: تأريخ أوربا وحقوق الإنسان ولكن تاريخ أوروبا في حقوق الإنسان جعلها تخرج من ظلمات إلى ظلمات، ثم إلى بصيص من النور المختلط بظلمات من حوله، فظنت هـذا البصيص من النور هـو الشمس؛ لأن الذي يطول عيشه في الظلمات ينبهر بالبصيص من النور، كالأعمى الذي طال عماه ثم أبصر شمعة فظنها الشمس، فلم يسأل نفسه: هـل كان غيره مبصرا وكانت عنده الشمس المشرقة ابتداء؟

          ذلك أن أوروبا قد تنقلت من العيش في ظل الإمبراطورية الرومانية التي لا تعرف حقوق الإنسان إلى انهيار الإمبراطورية عام 911م، وظهور نظام الإقطاع الذي تظهر فيه السلطة المطلقة في أبشع صورها، من حيث فساد الأحوال، وانعدام حقوق الإنسان إلى الملكيات المطلقة ذات السلطان الكلي والشمولي للحاكم؛ مالك السيادة بوصفها امتيازا شخصيا له من غير حقوق للمواطنين. [ ص: 52 ] ثم تنقلت إلى الثورة الفرنسية التي سحبت السيادة من الحاكم، وجعلتها للشعب في صورة سلطة مطلقة لممثلي الشعب، فارتكبوا من الجرائم باسم سيادة الشعب ما لا يقل عما ارتكبه القياصرة المستبدون، إلى تقسيم السلطة إلى سلطات ثلاث، بقصد الحد من طغيانها؛ لأن السلطة تحـد السلطة، والإقرار بحـقوق للأفراد لا يجـوز المساس بها باعتبارها من الحقوق الطبيعية، وظهور ملامح الدولة القانونية.

          ثم تنقلت أوروبا إلى الثورة الصناعية وظهور البطالة الجماعية في صفوف العمال، مما احتاج إلى الإقرار بنوع جديد من حقوق الإنسان؛ هـي الحقوق الاجتماعية، ثم إلى الحربين العالميتين اللتين أفرزتهما العلمانية، فأفقدت عشرات الملايين من الناس حق الحياة، ودفنتهم تحت التراب إلى مناداة شعوب العالم: كفى تدميرا للإنسان وحقوق الإنسان، بعد المآسي والأحزان التي يعجز عنها الوصف.

          وأخيرا تنقلت أوربا إلى الإقرار بحقوق الإنسان الأساسية فـي ميثاق الأمم المتحدة عام 1945م، ثم الإعلان العالمي لحقـوق الإنسان عام 1948م، ثم الاتفاقيات الدولية المتعددة بشأن حقوق الإنسان في العصر الحديث. [ ص: 53 ] وهذا الثلاثي الأخير (الميثاق) و (الإعلان) و (الاتفاقيات) ، هـو آخر المطاف في حقوق الإنسـان. ومـع ذلك لا يزال الإنسـان في كثير من أرجاء المعمورة يئن ويتوجع ويصرخ ويستغيث من انتهاك حقـوق الإنسان، فأين هـي مواطن الخلل؟ وهل من عـلاج؟ هـل العلاج يمكن أن يقدمه القانون الدولي؟ أم فيما يقدمه القانون الدستوري؟ وأساسهما معا القانون الطبيعي [1] ، والعلمانية [2] ؟ [ ص: 54 ] وهل من طبيعة قواعدهما القانونية أن تتكفل بهذا العلاج، أم هـو متعذر عليها؟

          التالي السابق


          الخدمات العلمية