الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          حقوق الإنسان (بين الشريعة والقانون)

          الدكتور / منير حميد البياتي

          المبحث الثاني: أسباب إخفاق القانون الدولي

          ومرد الوضع المؤسف والخطير لحقوق الإنسان في القانون الدولي إلى ثلاثة أسباب، تجعل الإخفاق نتيجة طبيعية:

          1 - الأساس الفكري للقانون الدولي المتمثل بنظرية القانون الطبيعي العقيمة والفكر العلماني [1] وكلاهما لا يعبأ بالوحي الإلهي، فهذا الأساس الفكري لا ينتج عنه إلا الإنسان الدنيوي، اللاديني، الذي تتحكم أهواؤه ومصالحه في إرادته وقراراته، فكيف ننتظر منه إنصاف الناس من نفسه، والإيمان الصادق بحقوق الإنسان؟

          وهل مصائب الدنيا كلها على المستوى الفردي والجماعي والإداري والدولي إلا من إنسان مطية لـهواه لا يعرف الآخرة، ويؤمن بالدنيا (مائدة طعام وفرصة متاع) ، فينهش من أجلها حقوق الناس جملة وتفصيلا، ما دام قادرا على ذلك ومتسلطا عليه، انسياقا وراء شهوة المال والجنس والجاه؟ وكيف يتورع وهو لا يملك الورع؟ [ ص: 72 ] وكيف يتقي وهو لا يملك التقوى؟ وكيف يغلب هـواه وهو مطية له؟ ومثل هـذا الإنسان ( هـل يستوي هـو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ) (النحل:76) ،

          الذي وضع نصب عينيه قوله تعالى: ( أمن هـو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ) (الزمر:9) ؟

          ألسنا في زمن تداعي الأمم على أمة الإسلام؛ كما تتداعى الأكلة على قصعتها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فهل هـؤلاء الأكلة إلا مجرمون من نتاج الفكر العلماني؟ ومع ذلك أليسوا هـم أكثر الناس مناداة بحقوق الإنسان، بل ويجعلون من أنفسهم أوصياء على حقوق الإنسان في كوكب الأرض؟ فما تفسيـر ذلك، إلا الكذب والخـداع فـي رفع شعار حقـوق الإنسان؛ لتحسين صورتهم التي باتت تثيـر الاشمئزاز والازدراء؟

          2 - قابلية القانون الدولي والتشريع البشري عامة للتلبس بالباطل والظلم ونحوهما

          فالقانون الدولي بوصفه تشريعا بشريا لا يكون إلا قابلا للتلبس بالباطل، والخطأ، والهوى، والظلم، والزيغ، والضلال، والجهل، والنسيان، وهي صفات لا يستطيع المشرع البشري أن [ ص: 73 ] يكون في منأى عنها؛ لأنه إنسان، والإنسان غير معصوم من هـذه الصفات، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: الميثاق نفسه على نحـو ما وضحناه، ومنها ما جاء في مشروع الاتفاقية الدولية بشأن الإسكان والتنمية في المؤتمر الدولي المنعقد بالقاهرة ، من نصوص تشرع منع الزواج المبكر (15 - 19 سنة) ، وتشرع الاختلاط بين الجنسين في هـذه السن وما قبلها، مع الدعوة إلى نشر مراكز طبية خاصة بالإجهاض بشكل واسع في المدن والقرى؛ ومنها مؤتمر بكين للمرأة الذي عقد في بكين ، والذي جاء في مشروع الاتفاقية الدولية الخاصة به ضرورة تحطيم الأسرة التقليدية، والإقرار بمشروعية أسر من نوع جديد تتألف من زواج الرجل بالرجل، وزواج المرأة بالمرأة، بدعوى الحرية الشخصية، والمؤتمران تابعان للأمم المتحدة، ويسعيان حسب مشروعهما إلى جعل الرذيلة نظاما عالميا للحياة.

          وهذا بخلاف الشريعة الإسلامية التي لا يداخلها نقائص البشر في تشريعها؛ فإنها وحي إلهي معصوم، يتصف بصفات مشرعه؛ وهو الله تعالى، المنزه عن صفات النقص المذكورة وغيرها، فتكون أحكامه منزهة عنها، [ ص: 74 ] قال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام : ( لا يضل ربي ولا ينسى ) (طـه:52) ،

          وقـال: ( وما كان ربك نسيا ) (مريم:64) ،

          وقال: ( وما الله يريد ظلما للعالمين ) (آل عمران: 108) ،

          ( وما ربك بظلام للعبيد ) (فصلت:46) ،

          ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) (النساء:40) ،

          وقال سبحانه وتعالى : ( أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هـم الظالمون ) (النور:50) .

          3 - افتقاد منهجية تفعيل حقوق الإنسان

          لو تجاوزنا عن كل ما تقدم، وافترضنا القانون الدولي ممثلا بالميثاق خاليا من كل النقائص التي شرحناها -وهو مجرد افتراض- فإنه يبقى عاجزا عن تحقيق حقوق الإنسان بفقدانه (المنهجية) لتفعيل هـذه الحقوق؛ لافتقاره إلى الأنظمة المصلحة للسلوك الإنساني والمنشئة للإرادة الملتزمة بالحق، والعدل، وصون حقوق الإنسان.

          وهذه الإرادة مدار صلاحها وصحتها على عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، وعلى الأخـلاق الإسلامية، وعلى نظام العبادة في الإسلام، وهي منظومة ثلاثية من الأحكام سيأتي بيانها وبيان آثارها في منهجية تفعيل حقوق الإنسان.

          وما دامت هـذه منهجية إسلامية خالصة ومتفردة لإصلاح السلوك [ ص: 75 ] الإنساني، وما دامت هـذه المنهجية موجودة في الإسلام مفقودة في سواه، وما دام القانون الدولي لا يعبأ بها، وليس من طبيعة قواعده القانونية توفر هـذه المنهجية، فلا سبيل إلى إصلاح السلوك الإنساني لأصحاب القرار في كوكب الأرض، ولذلك لا يمكن تحقيق حقوق الإنسان مع غياب منهجية تفعيل حقوق الإنسان، وهذا واضح كل الوضوح.

          وسيبقى المنظرون والمشرعون يدورون في دائرة الأماني ثم الإخفاق، يرون السراب ماء ثم لا يكون شيئا،

          قال سبحانه وتعالى: ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) (النور:39-40) ،

          وسيبقون بدون منهجية الإسلام في تفعيل حقوق الإنسان، يدورون في منهج عقيم ليس من طبيعته أن يبلغ غاية حسنة أو يوصل إلى نتيجة،

          مثلهم فيه: ( كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هـو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ) (الرعد:14) . [ ص: 76 ]

          التالي السابق


          الخدمات العلمية