الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      3- سلامة الحياة القانونية والتطبيقات القضائية:

      إذا كان الفسـاد القـانوني أو القضائي مرده أحيانا طبيعة أهل القانون أو رجال القضاء أو ما تنتهجه المؤسسات المختصة بهذا الشأن، فإن طبيعة تعامل الأفراد مع القانون أو القضاء تظل من العوامل المهمة في تحقيق السلامة التطبيقية أو الانحراف.

      إن من طبيعة أكثر المتخاصمين السعي إلى التغلب -بالحق أو الباطل- على خصومهم وبمختلف الطرق والوسائل، وقد لا يتحرج البعض من اللجوء إلى أساليب غير مشروعة كإحضار شهود الزور أو تقديم الرشا أو حلف اليمين الكاذبة أو نحوها. بينما من يتربى على الالتزام بحدود الحلال والحرام، ويتطبع على السير وفقا للمناهج الشرعية الصحيحة، سيتجنب تلك الأساليب في [ ص: 193 ] حسـم خصومـاته ويظـل متقيدا بالسبل الواضحة والإجـراءات السـليمة، كما سيتحرج من اللجوء إلى الحيل القانونية، التي قد يوفرها القانون نفسه بحكم طبيعة صياغاته أو بما يحتويه من ثغرات قد يستثمرها المحامي المتمرس، بل أن التربية الإسلامية العميقة قد تدفع الخصم إلى أن يقول الحق ولو على نفسه: "قل الحق ولو على نفسك"، ومن ثم يتقبل ما هو حق مما يحكم به القضاء الشرعي العادل. وهذا النمط من التربية سيساعد على جعل الحياة القانونية والقضائية أكثر شفافية واستقامة وعدالة.

      وإذا كان الملاحظ في طبيعة القوانين الوضعية اقتصارها على بيان ما هو صحيح وما هو فاسد، وما هو نافذ وما هو موقوف، نجد الشريعة الإسلامية لا تكتفي بمثل هذا البيان، بل تضمن أحكامها التوجيهات والإرشادات التربوية بما تبثه من مفاهيم الحلال والحرام والطاعة والمعصية، إضافة إلى ربط الأمور ببواطنها دون الاكتفاء بما تحت اليد من مستندات ظاهرة، كما في ظل القضاء الوضعي، الذي يقضي عادة بناء على المستندات المادية بصرف النظر عن كون الأمر حقا كان أو باطلا.

      إن التربية الإسلامية لا تسوغ أكل الحرام أو أكل حقوق (الغير) بالباطل أو بالإثم: ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ) (البقرة:188)، ذلك أن الشريعة تحرم ذلك وتلزم المرء بالإقرار بالحق ولو على حساب المصلحة الشخصية. والتوجيه النبوي يؤكد على دور المتخاصمين في تقويم عمل القضاء [ ص: 194 ] نفسه. فمما يروي عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ( إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا (أي بناء على الظاهر) فلا يأخذ، فإنما أقطع له قطعة من النار ) [1] . فقول الصدق، والابتعاد عن التزوير وعدم حلف اليمـين الكاذبة، وتجنـب استغـلال ثغرات القـانـون، وعـدم إيـهام المحقـقـين أو القضاة، إنما يساعد ذلك كله على الوصول إلى الحقيقة وحكم الحق.

      ولاشك في أن التربية بهذا الاتجاه ستدعم القانون وتساعده على اتخاذ المسارات الصحيحة من دون انحراف أو خلل أو إجحاف.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية