الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      خاتمة

      في ختام هذه الدراسة لابد أن نشير إلى أن تناولنا للعلاقة بين التربية والقانون قد تم بناء على الواقع المفترض، الذي يمكن أن يتشكل وفقا للنظرية الاجتماعية الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والسنة والفقه المتجدد، إضافة إلى ما يمكن استصحابه من ممارسات تطبيقية شهدها الاجتماع الإسلامي قديما أو في العصر الحديث.

      ولعل اهتمامنا بتحليل خصائص العلاقة المذكورة ومنهجيتها وتجلياتها في حقول الحياة المختلفة قد كشف لنا عن خصوصية أن التربية والقانون في الإسلام ينبعان من مصدر واحد ويبتغيان أهدافا واحدة، الأمر الذي ميز علاقتهما بالتلازم والتعاضد والتبادل على نحو ليس له نظير في أي إطار اجتماعي آخر.

      من هنا يظل من شروط فاعلية العلاقة بين التربية والقانون ونجاحها على صعيد الواقع الإسـلامي أن يتلازم القانون الإسلامي مع التربية الإسـلامية، وأن تعمل المؤسسات التربوية والثقافية بالتكامل مع المؤسسات القانونية والقضائية، وأن لا تتحرك كل مؤسسة ضمن آيديولوجية أو مبادئ أو أهداف تتباين مع الآيديولوجية أو المبادئ أو الأهداف، التي تعتمدها المؤسسة الأخرى. فالوحدة والاتساق لابد منهما في عمل جميع المؤسسات الإسلامية. فضلا عن خطورة تجزئة الأحكام الإسلامية نفسها، بحيث يطبق البعض منها ويترك البعض الآخر، أو أن يشمل التطبيق أناسا ويستثنى آخرون. [ ص: 203 ]

      إن الأخذ ببعض مقررات الإسلام دون البعض الآخر من شأنه أن يؤدي إلى تعويق أداء الجزء المأخوذ نفسه ويفقده القيمة والأثر المطلوب، وربما يحوله إلى عنصر إرهاق غير مستساغ.

      فإقامة حد الزنا مثلا يفترض وجود مجتمع مسلم تشيع في إطاره ثقافة الستر والعفة وتقدير الحرمات إلى جانب تهيئة الظروف المادية والاجتماعية، التي تسـاعد على الإقبال على الزواج، وإلا فإنزال الحد من دون تهيئة ذلك قد لا ينطوي على الإنصاف، وهو في الغالب لا يجنب الأفراد الوقوع في المنزلقات، وقد لا يحقق الردع المطلوب.

      ومثل ذلك في حالة السرقة، فآية واحدة جاءت تأمر بإقامة الحد مقابل عشرات الآيات والاحاديث، التي تؤكد على قيم النزاهة واحترام مال (الغير)، إلى جانب إيتاء الزكاة والإنفاق في سبيل الله ومساعدة الفقراء والمحتاجين وتحقيق التكامل لكي لا يضطر محتاج أو محروم إلى مد يده إلى أموال الآخرين.

      إذن، فالتشريعات وحدها لا تضبط السلوك ما لم تكن هناك تربية سلوكية وظروف اجتماعية تعاضد تلك التشـريعات وتتكامل معها من أجل أن تبنى الحياة والعلاقات على نحو سوي وسليم.

      وأخيرا، قد لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا: إن القيمة الحقيقية للعلاقة بين التربية والقانون، وفقا للتصور الإسلامي، تظل مرهونة في مفاعيلها بطبيعة المجتمع المسلم، أفرادا ودولا وجماعات، ساعة التطبيق، وبمدى ما يحمله هذا المجتمع من إيمان ووعي، وما يتوفر عليه من التزام وحرص على تفعيل العلاقة المذكورة ومنحها الجدية والإنتاج المطلوب. [ ص: 204 ]

      التالي السابق


      الخدمات العلمية