الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      5- تحقيق سيادة القانون وعلويته على الجميع:

      في النظم التسلطية، لا يتساوى الناس في الغالب أمام القانون، حيث يتميز أهل الحكم على غيرهم في الحقوق أو التعاملات الاستثنائية، ويظل للسلطة الحاكمة وضعها الفوقي الخاص. إلا أنه في ظل النظم العادلة، التي تكون فيها طبقة الحكام مجموعة موظفين منتخبين أو معينين لأداء ما عليهم من مسؤوليات مقررة وفقا لما ترسمه القوانين وتحددها الاختصاصات، فالقانون هنا هو السيد الحاكم على الجميع دونما تفرقة أو تمييز. ويتعزز هذا الأمر أكثر إذا ما اقترن القانون بتربية سياسية تتناغم معه وتؤكد عليه.

      وفي إطار النظام السياسي الإسلامي ووفقا لنظريته النموذجية القائمة على الاختيار والعدل والشورى والمسـاواة والمساءلة، تتعاون التربية السـياسية مع القانون السياسي على ترشيد سلوك الحكام والمحكومين بما يهيئ الأرضية المناسبة لاحترام الشرعية، والخضوع لسيادة القانون.

      إن معادلة التعاضد والتآزر والتبادل والتكامل بين التربية والقانون في الإطار الإسلامي جديرة بترويض جماعة السلطة وتحذيرهم من الخروج على القانون، الأمر الذي سـيسـاعد على الالتزام بمقتضيات العدالة والمسـاواة. فمن جهة يشكل اعتماد شرط التقوى في القيادات أساسا قانونيا لهذا الالتزام، [ ص: 198 ] ومن جهة تعمل التربية المسـتـمـرة على دعم هذا الشـرط واسـتمرار تـوافره في سلوكيات جماعة السلطة، وبذلك يتكامل الجانب القانوني مع الجانب التربوي في تحقيق الالتزام المطلوب.

      كما أن التربية على حق المراقبة والمساءلة من شأنها أن تنتج محكومين مؤهلين للمتابعة ومواجهة أي انحراف أو طغيان.

      ومن الآثار المتميزة لهذه المعادلة ما يتجلى من تطبيق لنظام الحقوق والحريات العامة، حيث إن احترام الحريات والحقوق وصيانتها لا يتم وفقا لإرادة الأفراد فحسب بل بوصف ذلك الأمر من الواجبات المفروضة على الجميع، حكاما ومحكومين.

      إذن، فالتربية في السياق السياسي تعلي من القانون وتعود على الخضوع لمقتضياته وتشكل ضمانة لسيادته في كل الأحوال "بحيث إذا عصفت السياسة بقانون أو بتنظيم أو بهيكل كانت هناك أبنية بشرية تقف لذلك بالمرصاد، بل أن أفراد المجتمع وتربيتهم وفقا لهذا المنهج سيشيعون مناخا من الثقافة كفيل بإماتة جراثيم الاستبداد والطغيان" [1] .

      وبهـذا يمكن القول: إن التربية الإسلامية العامة وهي تتناغم مع القانون إنما تعضده وتمارس- ولو معنويا- دور القانون نفسه، وتساعد على صيانته وتحقيق سيادته وعلويته على الجميع. [ ص: 199 ]

      التالي السابق


      الخدمات العلمية